صفحة جزء
وقال ابن عقبة: وكان حامل لواء المهاجرين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا عاصم إن شاء الله لما معي، فقال له طلحة: هل لك يا عاصم في المبارزة؟ قال: نعم، فبدره ذلك الرجل فضربه بالسيف على رأسه وقع السيف في لحيته فقتله، فكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنى مردف كبشا".

فلما صرع صاحب اللواء انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصاروا كتائب متفرقة، فجاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تنضح بالنبل، فترجع مفلولة، وحمل المسلمون على المشركين فنهكوهم قتلا.

وذكر ابن عائذ: أن طلحة المذكور في هذا الخبر هو ابن عثمان أخو شيبة من بني عبد الدار، وكان بيده لواء المشركين يومئذ، وأن الرجل الذي كان بيده لواء المسلمين المهاجرين علي بن أبي طالب.

والذي قاله ابن هشام في هذه القصة: قال: ويقال: إن أبا سعيد بن أبي طلحة خرج بين [ ص: 12 ] الصفين، فنادى: أنا قاصم من يبارزني؟ مرارا، فلم يخرج إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد: زعمتم أن قتلاكم في الجنة، وأن قتلانا في النار، كذبتم واللات، لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم، فخرج إليه علي بن أبي طالب، فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله عنه.

قال ابن هشام: وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ، ورافع بن خديج أحد بني حارثة، وهما ابنا خمس عشرة سنة، وكان قد ردهما، فقيل له: إن رافعا رام ، فأجازه فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله: فإن سمرة يصرع رافعا، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد أسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأسيد بن ظهير، ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة .

قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل: أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج سماعا قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو علي بن المذهب ، أخبرنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر; أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه.

رواه أبو داود ، عن الإمام أحمد.

وأخبرتنا السيدة مؤنسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحمهما الله، ورحم سلفها، سماعا، قالت: أخبرتنا أم هانئ عفيفة بنت أحمد [ ص: 13 ] الفارقانية إجازة، قالت: أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الدشتج ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصواف ، حدثنا جعفر بن أحمد ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن نافع; أن عمر بن عبد العزيز سأله: هل تدرون ما شهد عبد الله بن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم من المغازي؟ فقال نعم، حدثنا عبد الله بن عمر، قال: كانت غزوة بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فلم أخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت غزوة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فخرجت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني استصغرني فردني، وخلفني في حرس المدينة في نفر ردهم، منهم: زيد بن ثابت ، وأوس بن عرابة بن أوس ، ورافع بن خديج، وكان رافع أطولنا يومئذ، فأنفذه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرده معنا، وكانت غزوة الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنفذني فغزوت معه، فلما حدث هذا الحديث دعا كاتبه، فقال: أعجل علي كاتبا إلى الأمصار كلها، فإن رجالا يقدمون إلي يستفرضون لأبنائهم وإخوانهم، فانظروا من فرضت له فاسألوهم عن أسنانهم، فمن كان منهم ابن خمس عشرة سنة فافرضوا له في المقاتلة، ومن كان دون ذلك فافرضوا له في الذرية. كذا وقع في هذا الخبر أوس بن عرابة، وإنما هو عرابة بن أوس وأبوه أوس بن قيظي كان من كبار المنافقين، وهو أحد القائلين: إن بيوتنا عورة. وعرابة الذي يقول فيه الشماخ بن ضرار:


رأيت عرابة الأوسي يسمو إلى الخيرات منقطع القرين     إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين

وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أيضا البراء بن عازب ، وأبا سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، وسعد بن عقيب بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الحارثي ، وسعد بن حبتة، جد أبي يوسف الفقيه، وهو سعد بن بجير بن معاوية حليف بني عمرو بن عوف، أمه حبتة بنت مالك، وزيد بن جارية من بني عمرو بن عوف، وذكره ابن أبي حاتم فيمن اسم أبيه على حرف الحاء (يعني ابن حارثة) فوهم في ذلك، وهو أخو [ ص: 14 ] مجمع بن جارية ، وجابر بن عبد الله. وليس بالذي يروى عنه الحديث.

قال ابن إسحق: وتعبأت قريش، وهم ثلاثة آلاف رجل، ومعهم مائتا فرس.

قال ابن عقبة: وليس في المسلمين فرس واحد، قال الواقدي: لم يكن مع المسلمين يوم أحد من الخيل إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس أبي بردة.

قال ابن عقبة: فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل.

التالي السابق


الخدمات العلمية