صفحة جزء
قال ابن إسحاق: وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه، حتى كثر فيه النبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال [ ص: 23 ] سعد: فلقد رأيته يناولني النبل ويقول : "ارم، فداك أبي وأمي" حتى إنه ليناولني السهم ما له من نصل فيقول: "ارم به" .

وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها ، فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدهما.

وذكر الأصمعي: ، عن أبي معشر المدني، قال: وفد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بديوان أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز رجلا من ولد قتادة بن النعمان، فلما قدم عليه قال له: ممن الرجل؟ فقال:


أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد     فعادت كما كانت لأول أمرها
فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد

حكاه أبو عمر.

قال ابن سعد: ورمي يومئذ أبو رهم الغفاري كلثوم بن الحصين بسهم فوقع في نحره، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ.

قال ابن إسحاق: وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة، وقول الناس: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ، كعب بن مالك، قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين; أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنصت، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشعب، معه أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وطلحة [ ص: 24 ] والزبير ، والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين .

قال موسى بن عقبة: بايعوه على الموت، فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدركه أبي بن خلف، وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا: قال ابن عقبة: قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال من المسلمين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه، واستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقتل مصعب بن عمير، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة من سابغة الدرع والبيضة، فطعنه بحربته، فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، قال سعيد: فكسر ضلعا من أضلاعه، قال: ففي ذلك نزلت: ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) .

وقال ابن إسحاق في هذا الخبر: كان أبي بن خلف كما حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فيقول: يا محمد، إن عندي العود، فرسا له، أعلفه كل يوم فرقا من ذرة، أقتلك عليها، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بل أنا أقتلك إن شاء الله، فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد، قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إن بك من بأس، قال إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك، فوالله لو بصق علي لقتلني، فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة
.

وقال ابن عقبة: قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون.

رجع إلى الأول: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب، خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه، فوجد له ريحا [ ص: 25 ] فعافه، فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه، وهو يقول: "اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه" .

فحدثني صالح بن كيسان، عن من حدثه، عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول: والله ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمت لسيء الخلق، مبغضا في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله" .

قال ابن إسحاق: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب معه أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من قريش الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا، فقاتل عمر بن الخطاب ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل، ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ: "أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع.

قال ابن هشام: وبلغني; عن عكرمة ، عن ابن عباس; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب، وذكر عمر مولى غفرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعودا.

التالي السابق


الخدمات العلمية