صفحة جزء
وذكر أبو عمر في خبره، قال: فأخذ سلاحه وولى، فلما ولى أقبل على القبلة، وقال: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي خائبا. وفيه: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن منكم من لو أقسم على الله لأبره، منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته، وقيل: حمل هو وابنه خلاد حين انكشف المسلمون فقتلا جميعا.

قال ابن إسحاق: ووقعت هند بنت عتبة، كما حدثني صالح بن كيسان، والنسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الآذان والآنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وأقرطتها وحشيا، غلام جبير بن مطعم، وبقرت من كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها، ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها، فقالت:


نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سعر     ما كان عن عتبة لي من صبر
ولا أخي وعمه وبكري     شفيت نفسي وقضيت نذري
شفيت وحشي غليل صدري     فشكر وحشي علي عمري
حتى ترم أعظمي في قبري

فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب، فقالت:


خزيت في بدر وبعد بدر     يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر     بالهاشميين الطوال الزهر
[ ص: 29 ] بكل قطاع حسام يفري     حمزة ليثي وعلي صقري
إذ رام شيب وأبوك غدري     فخضبا منه ضواحي النحر


ونذرك السوء فشر نذر

ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف أشرف على الجبل، ثم صرخ بأعلى صوته، أنعمت [فعال] فقال: إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، اعل هبل، أي: أظهر دينك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عمر فأجبه، فقل: الله أعلى وأجل، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار" وقال: إن لنا العزى ولا عزى لكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم" .

عن ابن عائذ وغيره.

رجع: فلما أجاب عمر ، أبا سفيان، قال له أبو سفيان: هلم إلي يا عمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "ائته فانظر ما شأنه" فجاءه: فقال أبو سفيان: أنشدك الله، يا عمر أقتلنا محمدا؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه يسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر، لقول ابن قمئة: إني قتلت محمدا، ثم نادى أبو سفيان: قد كان في قتلاكم، مثلى، والله ما رضيت ولا سخطت، ولا نهيت ولا أمرت، ولما انصرف أبو سفيان وأصحابه، نادى: إن موعدكم بدر للعام القابل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: "قل: نعم، هو بيننا وبينكم موعد" ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وقال ابن عائذ: سعد بن أبي وقاص فقال: اخرج في آثار القوم، فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم [ ص: 30 ] فيها، ثم لأناجزنهم، قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون، فجنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة .

وفزع الناس لقتلاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، أخو بني النجار: "من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر، فوجده جريحا في القتلى، وبه رمق، قال: فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى به نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم، ومنكم عين تطرف، قال: ثم لم أبرح حتى مات، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره.

قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه.

التالي السابق


الخدمات العلمية