صفحة جزء
غزوة بني قريظة

روينا عن أبي بكر الشافعي: حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار ، حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا العمري ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، بينا هو عندي إذ دق الباب، فارتاع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووثب وثبة منكرة وخرج، فخرجت في أثره، فإذا رجل على دابة، والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه، فرجعت، فلما دخل قلت: من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال: ورأيته" ؟ قلت: نعم، قال: "بمن تشبهينه" ؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي، قال: "ذاك جبريل، أمرني أن أمضي إلى بني قريظة " .

قال ابن إسحاق: ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري، معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج، فقال: أو قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: "نعم". فقال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم، فمزلزل بهم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا [ ص: 104 ] فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة .

وروينا عن ابن عائذ: أخبرني الوليد ، عن معاذ بن رفاعة السلامي ، عن أبي الزبير ، عن جابر، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه، مرجعه من طلب الأحزاب، إذ وقف عليه جبريل، فقال: ما أسرع ما حللتم! والله ما نزعنا من لأمتنا شيئا منذ نزل العدو بك، قم فشد عليك سلاحك، فوالله لأدقنهم كدق البيض على الصفا، ثم ولى، فأتبعته بصري، فلما رأينا ذلك نهضنا.

قال: وأخبرني الوليد، قال: أخبرني سعيد بن بشير ، عن قتادة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا: يا خيل الله اركبي.

قال ابن سعد: ثم سار إليهم في المسلمين، وهم ثلاثة آلاف، والخيل ستة وثلاثون فرسا، وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام.

قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس، فسار حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابيث قال: "لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى"؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: "لو رأوني" لم يقولوا من ذلك شيئا، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم، قال: يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته"؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولا.

[ ص: 105 ] ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال: "هل مر بكم أحد"؟ ، قالوا: يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء، عليها رحالة، وعليها قطيفة ديباج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم".

ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها ، وتلاحق به الناس، فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ". فشغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم، وأبوا أن يصلوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى تأتوا بني قريظة ". فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة، فما عابهم الله بذلك في كتابه، ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حدثني بهذا الحديث: أبو إسحاق بن يسار ، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري.

وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب.

التالي السابق


الخدمات العلمية