صفحة جزء
ذكر فوائد تتعلق بخبر الحديبية

الحديبية: بئر سمي المكان بها، والأعرف فيها التخفيف، ورأيت بخط جدي: قال الأستاذ نقلا عن أبي علي الشلوبين: هي بتخفيف الياء لا غير، وكأنه تصغير حدبى [ ص: 174 ] مقصورة. قال ابن السراج: والجعرانة بإسكان العين قاله الأصمعي، وأتى بالتشديد، وذكر أنه سمعه من فصحاء العرب.

وإحرامه عليه الصلاة والسلام كان من ذي الحليفة.

والأجرل: الكثير الحجارة، والجرول والجرل: الحجارة.

والعوذ المطافيل: النساء اللاتي معهن أطفالهن، وقال السهيلي: جمع عائذ، وهي الناقة التي معها ولدها، يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها، ولا يرجعوا حتى يناجزوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وخلأت القصواء: حرنت، والخلاء في الإبل، كالحران في غيرها من الدواب.

وماء رواء: وروى، وقوم رواء من الماء، عن ثعلب.

وناجية: كان اسمه ذكوان، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجا من كفار قريش ناجية.

وجبهت الرجل: استقبلته بما يكره.

ويتألهون: يعظمون أمر الإله، وقال الخشني: التأله التبعد.

ورأيت عن ابن الكلبي في نسب الحليس بن ريان: أنه الحليس بن عمرو بن الحارث بن المغفل، وهو الريان بن عبد ياليل، ويقال الحليس بن يزيد بن الريان. والأوباش: والأوشاب، الأخلاط من الناس.

وأبو سنان الأسدي: اسمه وهب بن محصن، أخو عكاشة بن محصن.

روينا عن أبي عروبة ، حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عاصم، عن عامر، قال: كان أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي، قال: يا رسول الله! بايعني. قال: على ماذا؟ قال: على ما في نفسك. قال: ما في نفسي؟ قال: الفتح أو الشهادة. فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء الناس، فجعلوا يقولون نبايعك على بيعة أبي سنان، [ ص: 175 ] كذا روي هذا عن الشعبي من غير وجه.

والصواب سنان بن أبي سنان. قال الواقدي فيما حكى عنه أبو عمر: وسنان أول من بايع بيعة الرضوان، وتوفي سنان سنة اثنتين وثلاثين، وأما أبوه أبو سنان فمات في حصار بني قريظة، ذكر ذلك أبو جعفر الطبري وغيره، وقال: كان أسن من أخيه عكاشة بسنتين، قال: ودفن بمقبرة بني قريظة اليوم. وقد تقدم ذلك. وقد ذكر أن أول المبايعين يومئذ عبد الله بن عمر. قال أبو عمر: ولا يصح.

وقد روينا من طريق البخاري، قال: حدثني شجاع بن الوليد، قال: سمع النضر بن محمد ، حدثنا صخر ، عن نافع، قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار ليقاتل عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة، وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر ، وعمر يستلئم للقتال، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة. قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر .

وروينا من طريق مسلم: ، عن سلمة بن الأكوع، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا للبيعة في أصل الشجرة، قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع.. الحديث.

قال السهيلي: وفي هذا الحديث مصالحة المشركين على غير مال يؤخذ منهم، وذلك جائز إذا كان بالمسلمين ضعف، وقد تقدم مصالحتهم على مال يعطونه في غزوة الخندق. قال: واختلف هل يجوز صلحهم إلى أكثر من عشر سنين، وحجة من منع، أن حظر الصلح هو الأصل، بدليل آية القتال، وقد ورد التحديد بالعشر في حديث ابن [ ص: 176 ] إسحاق، فحصلت الإباحة في هذا المقدار متحققة، وبقيت الزيادة على الأصل.

قلت: ليس في مطلق الأمر بالقتال ما يمنع من الصلح، وإن كان المراد ما في سورة براءة من ذلك، مما نزل بعد هذه الواقعة، ففي التخصيص بذلك اختلاف بين العلماء. وأما تحديد هذه المدة بالعشر، فأهل النقل مختلفون في ذلك; فروينا عن ابن سعد، كما روينا عن ابن إسحاق، وروينا عن موسى بن عقبة، قال: وكان الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش سنتين يأمن بعضهم بعضا. وكذلك روينا عن ابن عائذ ، عن محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس، أن مدة الصلح كانت إلى سنتين والله أعلم.

وأما كتابة الصلح: فقرئ على عبد الرحيم بن يوسف المزي وأنا أسمع، أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق، سمعت البراء بن عازب يقول: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية، كتب علي رضي الله عنه كتابا بينهم. قال: فكتب: محمد رسول الله. فقال المشركون: لا نكتب: محمد رسول الله، ولو كنت رسول الله لم نقاتلك. قال: فقال لعلي: امحه. فقال: أما أنا بالذي أمحاه، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.. الحديث.

وقد روى البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك بيده، وعد ذلك من وقف عنده [ ص: 177 ] معجزة له عليه السلام، وما شهد به القرآن من أنه النبي الأمي الذي لا يحسن الكتابة، مع ما كان يأتي به من أقاصيص الأولين وأخبار الأمم الماضين هو المعجزة العظمى، لما تضمن من تكذيب من نسب ذلك إلى علم تلقاه من أساطير الأولين، ممن كان اكتتبها فهي تملى عليه. وهذا علم عظيم من أعلام نبوته، وأصل كبير من دلائل صدقه في أنه عليه الصلاة والسلام إنما يتلقى ذلك من الوحي. وسلامة هذا الأصل من شبهة قد تركت للملحد حجة في معارضته، وإن بعدت أولى. وذكر الإمام أبو الوليد الباجي أنه كتب، فأنكر ذلك علماء الأندلس، فبعث إلى الآفاق يستفتي بمصر والشام والعراق وغير ذلك، فجلهم قال: لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم بيده قط، ورأوا ذلك محمولا على المجاز، وأن معنى كتب: أمر بالكتابة. وقالت طائفة يسيرة منهم: كتب. وجرت هذه المسألة يوما بحضرة شيخنا الإمام أبي الفتح القشيري رحمه الله، فلم يعبأ بقول من قال: كتب.

وقال عن الباجي: هو قول أحوجه إلى أن يستنجد بالعلماء من الآفاق.

وأبو جندل: اسمه العاصي، وهو أخو عبد الله بن سهيل، شهد عبد الله بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامه قبل ذلك، وأول مشاهد أبي جندل الفتح، وإنما ذكرنا ذلك ليعرف الفرق بينهما، فقد ذكر أن بعض من ألف في الصحابة سمى أبا جندل عبد الله، وليس كذلك. ورجع أبو جندل إلى مكة يوم الحديبية في جوار مكرز بن حفص فيما حكى ابن عائذ.

قال أبو القاسم السهيلي - وذكر قول الله سبحانه: ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) - وهذا عند أهل العلم مخصوص بنساء أهل العهد والصلح، وكان الامتحان أن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما هاجرت ناشزا، ولا هاجرت إلا لله ولرسوله، فإذا حلفت لم ترد، ورد صداقها إلى بعلها، وإن كانت من غير أهل العهد لم تستحلف ولم يرد صداقها.

وعيبة مكفوفة: أي صدور منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة.

والإغلال: الخيانة.

والإسلال: السرقة.

[ ص: 178 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية