صفحة جزء
أخبرنا أبو الفتح بن المجاور الشيباني بقراءتي عليه بالشام، أخبرنا أبو اليمن الكندي قراءة عليه وأنا أسمع، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري، أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الواعظ ، حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر المطبري ، حدثنا حماد بن الحسن ، حدثنا أبي ، عن هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن اليهود قتلوا أخي، فقال: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، فيفتح الله عز وجل عليه، فيمكنه الله من قاتل أخيك. فبعث إلى علي رضي الله تعالى عنه، فعقد له اللواء. فقال: يا رسول الله إني أرمد كما ترى. قال: وكان يومئذ أرمد، فتفل في عينيه. قال [ ص: 184 ] علي رضي الله عنه: فما رمدت بعد يومئذ. قال العوام: فحدثني جبلة بن سحيم أو حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر، قال: فمضى بذلك الوجه، فما تتام آخرنا، حتى فتح الله على أولياء الله، فأخذ علي رضي الله عنه قاتل الأنصاري، فدفعه إلى أخيه فقتله.

الرجل الأنصاري: هو:

محمد بن مسلمة.

وروينا في المعجم الصغير لأبي القاسم الطبراني ، حدثنا محمد بن الفضل بن جابر السقطي ببغداد، حدثنا فضيل بن عبد الوهاب ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن الخليل بن مرة ، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: لما كان يوم خيبر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فجبن، فجاء محمد بن مسلمة، فقال: يا رسول الله لم أر كاليوم قط، قتل محمود بن مسلمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت، ثم الزموا الأرض جلوسا، فإذا غشوكم فانهضوا، وكبروا". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأبعثن غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبانه، لا يولي الدبر". فلما كان من الغد بعث عليا وهو أرمد شديد الرمد، فقال: "سر". فقال: يا رسول الله ما أبصر موضع قدمي. فتفل في عينيه، وعقد له اللواء، ودفع إليه الراية. فقال علي: علام أقاتلهم يا رسول الله؟ قال: "على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى" .

رجع إلى الأول: ثم القموص حصن بني أبي الحقيق، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن صفية بنت حيي بن أخطب - وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق - وبنتا عم لها، فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه.

[ ص: 185 ] وجعلها عند أم سليم، حتى اعتدت وأسلمت، ثم أعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها.


واختلف الفقهاء في هذه المسألة، فمنهم من جعل ذلك خصوصا له عليه الصلاة والسلام كما خص بالموهوبة وبالتسع، ومنهم من جعل ذلك سنة لمن شاء من أمته.

وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية، فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها.

وقيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها له، ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس.

وفشت السبايا من خيبر في المسلمين، وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان الحبالى من النساء، وأكل الحمار الأهلي، وأكل كل ذي ناب من السباع، وبيع المغانم حتى تقسم، وأن لا يصيب أحد امرأة من السبي، حتى يستبرئها، ولا يركب دابة في فيء المسلمين، حتى إذا أعجفها ردها فيه، ولا يلبس ثوبا من فيء المسلمين، حتى إذا أخلقه رده فيه، وأن يبيع أو يبتاع تبر الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالورق العين. وقال: ابتاعوا تبر الذهب بالورق وتبر الفضة بالذهب العين.

وفيه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم، وعن متعة النساء، ورخص في لحوم الخيل، وقسم للفارس سهما وللفرس سهمين.

فسره نافع، فقال: إذا كان مع الفارس فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن فله سهم.

قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال، فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدثه بعض من أسلم، أن بني سهم من أسلم، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله والله لقد جهدنا، وما بأيدينا من شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاما وودكا. فغدا الناس، ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان [ ص: 186 ] أكثر طعاما وودكا منه، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم: الوطيح والسلالم، وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة. قال ابن هشام: وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: أمت أمت .

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة، عن جابر بن عبد الله، قال: فخرج مرحب اليهودي من حصنهم، قد جمع سلاحه، يرتجز، وهو يقول:


قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

في أبيات، وهو يقول: من يبارز؟ فأجابه كعب بن مالك:


قد علمت خيبر أني كعب     مفرج الغمى جريء صلب

في أبيات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله. أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس. قال: فقم إليه، اللهم أعنه عليه. قال: وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله، ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، وهو يقول: من يبارز؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر، فقالت له أمه صفية بنت عبد المطلب: يقتل ابني يا رسول الله؟ قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله. فخرج الزبير فالتقيا فقتله الزبير .

هذه رواية ابن إسحاق في قتل مرحب، وروينا في الصحيح من حديث سلمة بن الأكوع، أن علي بن أبي طالب قتله.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ورجع ولم يكن فتح، وقد جهد. ثم بعث للغد عمر بن الخطاب، فقاتل ورجع، ولم يكن فتح، وقد جهد، فقال عليه الصلاة السلام: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله [ ص: 187 ] على يديه، ليس بفرار. فدعا عليا وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: خذ هذه الراية، فامض بها، حتى يفتح الله عليك. فخرج بها يهرول، حتى ركزها في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال، من أنت؟ فقال: علي بن أبي طالب. فقال: يقول اليهودي علوتم وما أنزل الله على موسى، أو كما قال. فما رجع حتى فتح الله عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية