صفحة جزء
وفد بني فزارة

قال أبو الربيع بن سالم في كتابه المسمى بـ"الاكتفاء في مغازي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومغازي الثلاثة الخلفاء" : ولما رجع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من تبوك ، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا ، فيهم خارجة بن حصن . ، والحر بن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن ، وهو أصغرهم ، فنزلوا في دار بنت الحارث ، وجاؤوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مقرين بالإسلام ، وهم مسنتون ، على ركاب عجاف ، فسألهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن بلادهم ، فقال أحدهم : يا رسول الله ، أسنتت بلادنا ، وهلكت مواشينا ، وأجدب جنابنا ، وغرث عيالنا ، فادع لنا ربك يغثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع لنا ربك إليك . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "سبحان الله ، ويلك هذا ، أنا أشفع إلى ربي عز وجل ؟ فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه ، لا إله إلا هو العلي العظيم ، وسع كرسيه السموات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله ، كما يئط الرحل الجديد" ، وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "إن الله ، عز وجل ، ليضحك من شفقكم وأزلكم وقرب غياثكم" ، فقال الأعرابي : يا رسول الله ، ويضحك ربنا ، عز وجل ؟ قال : "نعم" ، قال الأعرابي : لن يعدمك من رب يضحك خير . فضحك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من قوله ، وصعد المنبر ، فتكلم بكلمات ، وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا رفع الاستسقاء ، فرفع يديه [ ص: 333 ] حتى رؤي بياض إبطيه ، وكان مما حفظ من دعائه : "اللهم اسق بلادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت ، اللهم اسقنا غيثا مريحا مريعا ، طبقا واسعا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، اللهم اسقنا رحمة ، ولا تسقنا عذابا ، ولا هدما ، ولا غرقا ، ولا محقا ، اللهم اسقنا الغيث ، وانصرنا على أعدائنا" . فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ، التمر في المرابد . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره" ، قالوا : لا والله ، ما في السماء سحاب ولا قزعة ، ولا بين المسجد وبين سلع من شجر ولا دار ، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ، ثم أمطرت ، فوالله ما رأينا الشمس سبتا ، وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره ، لئلا يخرج التمر منه ، فجاء ذلك الرجل أو غيره ، فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل . فصعد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، المنبر فدعا ، ورفع يديه مدا ، حتى رؤي بياض إبطيه ، ثم قال : "اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر" . قال : فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية