الأنوار في شمائل النبي المختار

البغوي - الحسين بن مسعود البغوي

صفحة جزء
456 - أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الكوفي أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الأنباري أنا أبو بكر محمد بن الحسين بن زكريا الباذنجاني حدثني أبو جعفر أحمد بن الحسن بن نصر ، وأبو العباس عبيد الله بن جعفر بن أعين قالا : نا مكرم بن محمد بن المهدي بن عبد الرحمن بن عمرو بن خويلد الخزاعي ثم الكعبي حدثني أبي محرز بن المهدي عن حزام بن هشام بن حبيش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل البطحاء يوم الفتح عن أبيه عن جده حبيش بن خالد وهو أخو عاتكة بنت خالد وكنيتها أم معبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخرج من مكة خرج مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله بن الأريقط الليثي مروا على خيمي أم معبد الخزاعية وكانت برزة تحتبي بفناء الخيمة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحما وتمرا ليشتروها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم قال : هل بها لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك قال : أتأذنين أن أحلبها ؟ قالت : بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله جل ثناؤه ودعا لها [ ص: 341 ] في شأنها فتفاجت عليه ودرت واجترت فدعا بإناء يربض الرهط فحلب فيها ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقا أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها فقل ما لبث حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلى ضحي مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ؟ والشاء عازب حيال لا حلوب في البيت قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال : صفيه لي يا أم معبد قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه لم تعبه ثجلة ولم تزر به صقلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء أجمل الناس [ ص: 342 ] وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة ؛ لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إن قال : أنصتوا وإن أمر تبادروا لأمره محشود محفود لا عابس ولا مفند قال أبو سعيد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول :

جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا : خيمتي أم معبد     هما نزلاها بالهدى واهتدت به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد     فيال قصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لا يجازى وسؤدد     ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد     سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد     دعاها بشاة حائل فتحلبت
عليه صريحا ضرة الشاة مزبد     فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصدر ثم مورد

[ ص: 343 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية