[ ص: 462 ]    89 - فصل  
[  
المهدي  وأهل الذمة     ]  
وأما  
المهدي  فإن أهل الذمة في زمانه قويت شوكتهم ، فاجتمع المسلمون إلى بعض الصالحين وسألوه أن يعرفه بذلك وينصحه ، وكان له عادة في حضور مجلسه ، فاستدعي للحضور عند  
المهدي  فامتنع فجاء  
المهدي  إلى منزله وسأله السبب في تأخره ، فقص عليه القصة ، وذكر اجتماع الناس إلى بابه متظلمين من ظلم الذمة ثم أنشده :  
بأبي وأمي ضاعت الأحلام  أم ضاعت الأذهان والأفهام ؟      من صد عن دين النبي  محمد   
أله بأمر المسلمين قيام ؟      إلا تكن أسيافهم مشهورة  
فينا ، فتلك سيوفهم أقلام  
ثم قال : يا أمير المؤمنين ، إنك تحملت أمانة هذه الأمة وقد عرضت      
[ ص: 463 ] على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ثم سلمت الأمانة التي خصك الله بها إلى أهل الذمة دون المسلمين ، يا أمير المؤمنين أما سمعت تفسير جدك لقوله تعالى :  
ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها  ، أن الصغيرة التبسم ، والكبيرة القهقهة فما ظنك بأموال المسلمين وأماناتهم وأسرارهم ؟ ! وقد نصحتك ، وهذه النصيحة حجة علي ما لم تصل إليك ، فولى  
 nindex.php?page=showalam&ids=16655عمارة بن حمزة  أعمال  
الأهواز   وكور دجلة   وكور فارس   ، وقلد حمادا أعمال السواد وأمره أن ينزل إلى  
الأنبار   وإلى جميع الأعمال ، ولا يترك أحدا من الذمة يكتب لأحد من العمال ، وإن علم أن  
أحدا من المسلمين استكتب أحدا من  النصارى   قطعت يده ، فقطعت يد  
شاهونة  وجماعة من الكتاب .  
وكان  
للمهدي  على بعض ضياعه كاتب نصراني  
بالبصرة   ، فظلم الناس في معاملته فتظلم المتظلمون إلى  
 nindex.php?page=showalam&ids=16069سوار بن عبد الله القاضي  ، فأحضر وكلاء النصراني واستدعي بالبينة ، فشهدت على النصراني بظلم الناس وتعدي مناهج الحق ، ومضى النصراني فأخذ كتاب  
المهدي  إلى القاضي  
سوار  بالتثبت في أمره ، فجاء  
البصرة   ومعه الكتاب وجماعة من      
[ ص: 464 ] حمقى  
النصارى   ، وجاءوا إلى المسجد فوجدوا  
سوارا  جالسا للحكم بين المسلمين ، فدخل المسجد وتجاوز الموضع الذي كان يجب الوقوف عنده ، فمنعه الخدم فلم يعبأ بهم وسبهم ، ودنا حتى جلس عن يمين  
سوار  ودفع له الكتاب فوضعه بين يديه ولم يقرأه ، وقال : ألست نصرانيا ؟ فقال : بلى أصلح الله القاضي ، فرفع رأسه وقال : جروا برجله فسحب إلى باب المسجد وأدبه تأديبا بالغا ، وحلف ألا يبرح واقفا إلى أن يوفي المسلمين حقوقهم ، فقال له كاتبه : قد فعلت اليوم أمرا يخاف أن يكون له عاقبة ، فقال : أعز أمر الله يعزك الله .