صفحة جزء
8 - فصل

ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون .

هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم .

قال ابن المنذر : ولا أعلم عن غيرهم خلافهم .

وقال أبو محمد في " المغني " : " لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا " .

قال أبو عبيد : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، ثنا أيوب عن نافع عن أسلم [ ص: 150 ] مولى عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقاتلوا في سبيل الله ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، ولا يقتلوا النساء ولا الصبيان ، ولا يقتلوا إلا من جرت عليه المواسي .

[ وكتب إلى أمراء الأجناد : أن يضربوا الجزية ، ولا يضربوها على النساء والصبيان ولا يضربوها إلا على من جرت عليه المواسي ] .

قال أبو عبيد : يعني من أنبت .

[ ص: 151 ] وهذا الحديث هو الأصل فيمن تجب عليه الجزية ومن لا تجب عليه ، ألا تراه إنما جعلها على الذكور المذكورين دون الإناث والأطفال ، وأسقطها عمن لا يستحق القتل وهم الذرية .

وقد جاء في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى معاذ باليمن : " خذ من كل حالم دينارا " تقوية لقول عمر رضي الله عنه ، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - خص الحالم دون المرأة والصبي ؟ إلا أن في بعض ما ذكرنا من كتبه : " الحالم والحالمة " فنرى - والله أعلم - أن المحفوظ المثبت من ذلك هو [ ص: 152 ] الحديث الذي لا ذكر للحالمة فيه ، لأنه الأمر الذي عليه المسلمون ، وبه كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد .

فإن يكن الذي فيه ذكر الحالمة محفوظا فإن وجهه عندي أن يكون ذلك كان في أول الإسلام ، إذ كان نساء المشركين وولدانهم يقتلون مع رجالهم ، وقد كان ذلك ثم نسخ .

ثم ذكر حديث الصعب بن جثامة الذي في " صحيح البخاري " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية فأصابت من أبناء المشركين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هم من آبائهم " .

قال أبو عبيد : ثم جاء النهي بعد ذلك - وذكر الأحاديث التي فيها النهي عن قتل النساء والذرية - .

قلت : لم يشرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والذرية في شيء من مغازيه ألبتة .

[ ص: 153 ] والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النساء والذرية في مغازيه قبل إرسال معاذ إلى اليمن كما في " الصحيحين " من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان .

ورأى الناس في بعض غزواته مجتمعين على شيء ، فبعث رجلا فقال : " انظر علام اجتمع هؤلاء " فجاء فقال : امرأة قتيل ، فقال : " ما كانت هذه لتقاتل " ، وكان على المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال : " قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا " .

وفي لفظ : " لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا " ذكره أحمد .

[ ص: 154 ] وفي " سنن أبي داود " عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ولا صغيرا ، ولا امرأة ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم ، وأصلحوا وأحسنوا ، إن الله يحب المحسنين " .

بل النهي عن قتل النساء وقع يوم الخندق ويوم خيبر ، كما في " المسند " من حديث ابن كعب بن مالك عن عمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان .

[ ص: 155 ] وفي " المعجم " للطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة يوم الخندق مقتولة ، فقال : " من قتل هذه ؟ " فقال رجل : أنا يا رسول الله ، قال : " ولم ؟ " قال نازعتني سيفي ، فسكت .

[ ص: 156 ] وهذا كله كان قبل إرسال معاذ إلى اليمن .

فالصواب أن ذكر الحالمة في الحديث غير محفوظ ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية