صفحة جزء
[ ص: 814 ] 158 - فصل

[ نكاح المجوس وأكل ذبائحهم ] .

وأما المجوس فلا تحل مناكحتهم ، ولا أكل ذبائحهم ، وليس لهم كتاب : نص على ذلك في رواية إسحاق بن إبراهيم ، وأبي الحارث وغيرهما .

فقال في رواية إسحاق : لا فرج الله عمن يقول هذه المقالة ، يعني نكاح المجوس وأكل ذبائحهم .

ونص على أنه لا كتاب لهم في رواية الميموني ، فقال : المجوس ليس [ ص: 815 ] لهم كتاب ، ولا تؤكل ذبيحتهم ولا ينكحون .

وقال في رواية محمد بن موسى ، وقد سئل : " أيصح عن علي أن المجوس أهل كتاب ؟ " فقال : هذا باطل ، واستعظمه جدا ، وقال : إن قوما قد أساءوا ، يقولون هذا القول ، وهو قول سوء : فقد نص على تحريم مناكحتهم ، وعلى أنه لا كتاب لهم .

وقد ذكر ابن المنذر ، عن حذيفة أنه تزوج بمجوسية ، فقال له عمر : طلقها ، ولكن ضعفه أحمد في رواية المروذي . وقد سأله عن حديث ابن عون ، عن محمد أن حذيفة تزوج مجوسية ، فأنكره ، وقال الأخبار على خلافه . قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : ثبت عندك ؟ قال : لا .

وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم : روى الداناج ، وأبو وائل أنه تزوج يهودية .

[ ص: 816 ] وروى المروزي ، عن الشافعي قولين :

أحدهما : تجوز مناكحتهم ، وبناهما على أنه هل لهم كتاب أم لا ؟ وأنكر غيره من أصحاب الشافعي هذا النقل والبناء ، وقال : لو قلنا : تحل مناكحتهم - إذا قلنا لهم كتاب - لوجب أن نقول : لا يقرون بالجزية إذا قلنا لا كتاب لهم .

وقال أبو ثور : تجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم ، قال المروذي : قلت لأحمد : إن أبا ثور يحتج بأنهم أهل كتاب . فقال : وأي كتاب لهم ؟

قال القاضي : فإن قيل : فكيف استجاز أحمد في رواية إبراهيم أن يدعو على من يجيز نكاح المجوس وهو مما يسوغ فيه الاجتهاد ، لأنكم قد رويتم ذلك عن حذيفة وأبي ثور ؟ - وخرجه بعض أصحاب الشافعي قولا له - قيل له : أما ما روي عن حذيفة فقد بينا ضعفه ، وأما أبو ثور فيحتمل أن أحمد لم يظهر له خلافه في ذلك الوقت .

وكذلك هذا القائل من الشافعية ؛ لأنه حدث بعد أحمد ، ولم يظهر هذا في وقته عن الشافعي . والذي يبين هذا ما قاله في رواية المروذي : " ما [ ص: 817 ] اختلف أحد في نكاح المجوس ، أو ذبائحهم ، اختلفوا في اليهود ، والنصارى ، فأما المجوس فلم يختلفوا " وضعف ما جاء فيه .

قلت : قوله " لعله لم يظهر له خلافه " جواب فاسد ، فإنه قد حكي له أن أبا ثور يجيز نكاح المجوس ، فقال : أبو ثور كاسمه ، ودعا عليه ، وقال : لا فرج الله عمن يقول بهذا القول .

والمسألة عنده مما لا يسوغ فيها الاجتهاد ، لظهور إجماع الصحابة على تحريم مناكحتهم . وهذا مما يدل على فقه الصحابة ، وأنهم أفقه الأمة على الإطلاق ونسبة فقه من بعدهم إلى فقههم كنسبة فضلهم إلى فضلهم ، فإنهم أخذوا في دمائهم بالعصمة ، وفي ذبائحهم ، ومناكحتهم بالحرمة ، فردوا الدماء إلى أصولها ، والفروج والذبائح إلى أصولها .

التالي السابق


الخدمات العلمية