صفحة جزء
[ ص: 833 ] 164 - فصل في ذكر أحاديث هذا الباب وعللها .

قال الإمام أحمد : ثنا سفيان ، عن يعقوب بن عطاء ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " : يعقوب هذا ليس بالقوي .

وقال الترمذي : حدثنا حميد بن مسعدة ، ثنا حصين بن نمير ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتوارث أهل ملتين " .

قال الترمذي : لا يعرف إلا من حديث ابن أبي ليلى ، وفيه ضعف .

وقال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد ، ثنا علي بن حرب ، ثنا [ ص: 834 ] الحسن بن محمد ، ثنا عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث أهل ملة ملة " .

وحدثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا بحر بن نصر ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، قال أخبرني ابن شهاب ، عن علي بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا يرث المسلم الكافر " .

وذكر القاضي في " التعليق " حديثين لا أعرف حالهما .

أحدهما : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث أهل ملة ملة ، ولا تجوز شهادة ملة على ملة إلا أمتي ، تجوز شهادتهم على من سواهم " ، قال : رواه أبو بكر في " أدب القضاء " بإسناده .

[ ص: 835 ] الثاني : قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ، ولا يتوارث أهل ملتين " . وهذا السياق إن صح فهو ظاهر جدا ، وصريح في المسألة ، وأظنه جمع الحديثين في سياق واحد ، والله أعلم .

قال الذين جعلوا الكفر ملة واحدة : قال الله عز وجل : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، وقال تعالى : ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ) ، فجعل لهم دينا واحدا كما جعل لليهود ، والنصارى ملة واحدة .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " ، والله تعالى قسم خلقه إلى كفار ومؤمنين ، فهؤلاء سعداء وهؤلاء أشقياء ، والكفر وإن اختلفت شعبه فيجمعه خصلتان :

[ ص: 836 ]

[ الأولى : ] تكذيب الرسول في خبره .

و

[ الثانية : ] عدم الانقياد لأمره .

كما أن الإيمان يرجع إلى أصلين :

[ الأولى : ] طاعة الرسول فيما أمر .

و

[ الثانية : ] تصديقه بما أخبر .

قال الآخرون : اشتراكهم في الكفر العام لا يوجب تساويهم في ملله ، فإنهم كلهم يشتركون في الجحيم على اختلاف مراتبهم في الكفر . وقوله تعالى : ( حتى تتبع ملتهم ) ، لا يدل على أن ملة اليهود هي ملة النصارى ، بل إضافة الملة إلى جميعهم لا يقتضي اشتراكهم في عين الملة ، وكذلك قوله : ( لكم دينكم ولي دين ) ، لا يقتضي اشتراكهم في دين واحد بحيث يدين هؤلاء بعين ما يدين به هؤلاء ، بل المعنى : لكل منكم دينه وملته ، والله سبحانه يذكر الحق والهدى والإسلام ، ويجعله واحدا ، ويذكر الباطل والضلال والكفر ويجعله متعددا ، قال تعالى : [ ص: 837 ] ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ، وقال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ، وقال تعالى : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ) ، وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا ، وقال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل ، على كل سبيل شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ قوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية