صفحة جزء
223 - فصل

قولهم : " ولا نضرب نواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا "

لما كان الضرب بالناقوس هو شعار الكفر وعلمه الظاهر اشترط عليهم تركه ، وقد تقدم قول ابن عباس رضي الله عنهما : " أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ، ولا يضربوا فيه ناقوسا ، ولا يشربوا فيه خمرا " . ذكره أحمد وتقدم نصه في رواية ابنه عبد الله : " ليس لليهود والنصارى أن يحدثوا في مصر مصرته المسلمون بيعة ولا كنيسة ولا يضربوا فيه بناقوس إلا فيما كان لهم صلحا ، وليس لهم أن يظهروا الخمر [ ص: 1236 ] في أمصار المسلمين "

وقال في رواية أبي طالب : " السواد فتح بالسيف ، فلا تكون فيه بيعة ولا يضرب فيه بناقوس ، ولا تتخذ فيه الخنازير ، ولا يشرب فيه الخمر ، ولا يرفعون أصواتهم في دورهم " .

وقال في رواية حنبل : " وليس لهم أن يحدثوا بيعة ولا كنيسة لم تكن ، ولا يضربوا ناقوسا ، ولا يرفعوا صليبا ، ولا يظهروا خنزيرا ، ولا يرفعوا نارا ، ولا شيئا مما يجوز لهم ، وعلى الإمام أن يمنعهم من ذلك ، السلطان يمنعهم من الإحداث إذا كانت بلادهم فتحت عنوة ، وأما الصلح فلهم ما صولحوا عليه يوفى لهم به . وقال : الإسلام يعلو ولا يعلى ، ولا يظهرون خمرا " .

وقال الخلال : في " الجامع " أخبرني محمد بن جعفر بن سفيان [ ص: 1237 ] حدثنا عبيد بن [ جناد ] ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو قال : كتب عمر رضي الله عنه : " إن أحق الأصوات أن تخفض أصوات اليهود والنصارى في كنائسهم " .

وقال [ الفريابي ] : حدثنا أبو الأسود قال : كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : " أن لا يضرب بالناقوس خارجا من الكنيسة " .

وقال أبو الشيخ في كتاب " شروط عمر " حدثنا طاهر بن عبد الله بن محمد ، ثنا أبو زرعة قال : سمعت علي بن أبي طالب الرازي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن عز وجل فتنزل الملائكة فتأخذ بأقطار الأرض فلا تزال تقول : ( قل هو أحد ) حتى [ ص: 1238 ] يسكن غضب الرب عز وجل .

وقال إسحاق بن منصور : قلت لأبي عبد الله : للنصارى أن يظهروا الصليب أو يضربوا بالناقوس ؟ قال : " ليس لهم أن يظهروا شيئا لم يكن في صلحهم " .

وقال في رواية إبراهيم بن هانئ : " ولا يتركوا أن يجتمعوا في كل أحد ، ولا يظهروا خمرا ولا ناقوسا " .

وقال في رواية يعقوب بن بختان : " ولا يتركوا أن يجتمعوا في كل أحد ، ولا يظهروا خمرا ولا ناقوسا في كل مدينة بناها المسلمون " قيل له : يضربون الخيام في الطريق يوم الأحد ؟ قال : لا ، إلا أن تكون مدينة صولحوا [ ص: 1239 ] عليها فلهم ما صولحوا عليه " .

وقال في " النهاية " : وإذا أبقيناهم على كنيستهم فالمذهب أنا نمنعهم من صوت النواقيس ، فإن هذا بمثابة إظهار الخمور والخنازير ، وأبعد بعض الأصحاب في تجويز تمكينهم من صوت النواقيس فإنها من أحكام الكنيسة ، وقال : وهذا غلط لا يعتد به ، انتهى .

وأما قولهم في " كتاب الشروط " : " ولا نضرب بالناقوس إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا " فهذا وجوده كعدمه ؛ إذ الناقوس يعلق في أعلى الكنيسة كالمنارة ويضرب به فيسمع صوته من بعد ، فإذا اشترط عليهم أن يكون الضرب به خفيا في جوف الكنيسة لم يسمع له صوت فلا يعتد به ، فلذلك عطلوه بالكلية إذ لم يحصل به مقصودهم ، وكان هذا الاشتراط داعيا لهم إلى تركه .

وقد أبطل الله سبحانه بالأذان ناقوس النصارى وبوق اليهود ، فإنه دعوة إلى الله سبحانه وتوحيده وعبوديته ، ورفع الصوت به إعلاء لكلمة الإسلام وإظهارا لدعوة الحق وإخمادا لدعوة الكفر ، فعوض عباده المؤمنين بالأذان عن الناقوس والطنبور كما عوضهم دعاء الاستخارة عن الاستقسام بالأزلام ، وعوضهم بالقرآن وسماعه عن قرآن الشيطان وسماعه وهو الغناء والمعازف ، وعوضهم بالمغالبة بالخيل والإبل والبهائم عن الغلابات الباطلة كالنرد والشطرنج والقمار ، وعوضهم بيوم الجمعة عن السبت والأحد ، وعوضهم الجهاد عن السياحة والرهبانية ، وعوضهم بالنكاح عن السفاح [ ص: 1240 ] وعوضهم بأنواع المكاسب الحلال عن الربا ، وعوضهم بإباحة الطيبات من المطاعم والمشارب عن الخبيث منها ، وعوضهم بعيد الفطر والنحر عن أعياد المشركين ، وعوضهم بالمساجد عن الكنائس والبيع والمشاهد ، وعوضهم بالاعتكاف والصيام وقيام الليل عن رياضات أهل الباطل من الجوع والسهر والخلوة التي يعطل فيها دين الله ، وعوضهم بما سنه لهم على لسان رسوله عن كل بدعة وضلالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية