صفحة جزء
[ ص: 1300 ] 244 - فصل

قالوا : " ولا نتشبه بالمسلمين في مراكبهم ، ولا نركب السروج ، ولا نتقلد السيوف ، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا " .

فأهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج وإنما يركبون الأكف - وهي البراذع - عرضا ، وتكون أرجلهم جميعا إلى جانب واحد كما أمرهم أمير المؤمنين عمر فيما رواه عبد الرحمن بن مهدي عن [ عبد الله ] ، عن نافع ، عن أسلم : أن عمر أمر أهل الذمة أن يركبوا على الأكف عرضا وأن يركبوا عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمون .

وذكر عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر أنه كان يكتب إلى عماله يأمرهم أن يركب أهل الذمة في شق شق .

وقال زهير بن حرب : حدثنا وهب بن جرير قال : زعم أبي قال : نهى عمر بن عبد العزيز أن يركب السروج من خالف الإسلام .

[ ص: 1301 ] وقال عبد الرحمن بن مهدي ، عن خالد بن [ أبي ] عثمان الأموي قال : أمر عمر بن عبد العزيز في أهل الذمة أن يحملوا على الأكف وأن تجز نواصيهم .

وأن السروج من آلات الخيل ، وأهل الذمة ممنوعون من ركوبها فإنها عز لأهلها وليسوا من أهل العز ، وعلى هذا جميع الفقهاء .

قال الجويني في " النهاية " : اتفق الأصحاب على أنا نأمر الكفار بالتمييز عن المسلمين بالغيار ، وتفصيل ذلك إلى رأي الإمام .

[ ص: 1302 ] وقال الأصحاب : يمنعون من ركوب الجياد ، ويكلفون ركوب الحمير والبغال إلا النفيسة التي يتزين بركوبها فإنها في معنى الخيل ، وينبغي أن تتميز مراكبهم عن المراكب التي يتميز بها الأماثل والأعيان من أهل الإيمان .

وقيل : ينبغي أن يكون ركابهم العرور ، وهو ركاب الخشب ، ثم يضطرون إلى أضيق الطريق ، ولا يمكنون من ركوب وسط الجواد إذا كان يطرقها المسلمون ، وإن خلت من زحمة الطارقين من المسلمين فلا حرج ، ثم تكليفهم التميز بالغيار واجب حتى لا يختلطوا في زيهم وملابسهم بالمسلمين .

قال : وما ذكرناه من تمييزهم في الدواب والمراكب مختلف فيه فقال قائلون : التميز بها حتم كما ذكرناه في الغيار . ومنهم من جعل ما عدا الغيار أدنى ، ثم إذا رأى الإمام ومن إليه الأمر ذلك فلا معترض عليه ، وليس يسوغ إلا الاتباع .

وهل يجب على المرأة منهم أن تتميز بالغيار إذا برزت ؟ على وجهين :

أحدهما : يجب كالرجل .

والثاني : لا يجب ؛ إذ بروز النساء نادر ، وذلك لا يقتضي تمييزا في الغيار .

وإذا دخل الكافر حماما فيه مسلمون وكان لا يتميز عمن فيه بغيار وعلامة ، فالذي رأته الأصحاب منع ذلك وإيجاب التمييز في هذا المقام [ ص: 1303 ] أولى ؛ إذ ربما يفسد الماء على حكم دينه بحيث لا يشعر به .

ودخول الكافرة الحمام الذي فيه المسلمات من غير خلاف غيار يخرج على الخلاف الذي ذكرناه .

وكان شيخي رحمه الله تعالى يقول : " لا يمنع أهل الذمة من ركوب جنس الخيل ، فلو ركبوا البراذين التي لا زينة فيها والبغال على هذه الصفة فلا منع ، والحمار الذي تبلغ قيمته مبلغا إذا ركبه واحد منهم لم أر للأصحاب فيه منعا ، ولعلهم نظروا إلى الجنس ، ومن الكلام الشائع : ركوب الحمار ذل وركوب الخيل عز " ، انتهى .

وقد قال الشافعي : " ولا يركبوا أصلا فرسا ، وإنما يركبون البغال والحمير " .

قال أصحابه : فتمنع أهل الذمة من ركوب الفرس ؛ إذ في ركوبها الفضيلة العظيمة والعز ، وهي مراكب المجاهدين في سبيل الله الذين يحمون حوزة الإسلام ويذبون عن دين الله .

قال تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) فجعل رباط الخيل لأجل إرهاب الكفار ، فلا يجوز أن يمكنوا من ركوبها إذ فيه إرهاب المسلمين .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخيل معقود في نواصيها [ ص: 1304 ] الخير إلى يوم القيامة " . الأجر والمغنم وأهل الجهاد هم أهل الخيل والخير لاستعمالهم الخيل في الجهاد ، فهم أحق بركوب ما عقد الخير بنواصيها من المراكب .

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن الخيل كانت وحشا في البراري وأول من أنسها وركبها إسماعيل بن إبراهيم ، فهي من مراكب بني إسماعيل ، وبها أقاموا دين الحنيفية ، وعليها قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداء الله ، وعليها فتح الصحابة الفتوح ونصروا الإسلام ، فما لأعداء الله الذين ضربت عليهم الذلة ولركوبها ! ! .

وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تعزوهم وقد أذلهم الله ، ولا تقربوهم وقد أقصاهم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية