صفحة جزء
27 - فصل

[ كيفية أخذ الصدقة من بني تغلب ]

فتؤخذ الصدقة منهم مضاعفة من مال من تؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما من ذكر وأنثى وصغير وكبير وزمن وصحيح وأعمى وبصير ، هذا قول أهل الحجاز وأهل العراق وفقهاء الحديث منهم الإمام أحمد وأبو عبيد ، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى استثنى الصبيان والمجانين بناء على أصله في أنه لا زكاة عليهم ، ولا تؤخذ الصدقة مضاعفة من أرضهم كما [ ص: 212 ] تؤخذ من أرض الصبي والمجنون المسلم الزكاة .

وأما الشافعي رحمه الله تعالى فإنه قال : المأخوذ منهم جزية وإن كان باسم الصدقة فلا تؤخذ إلا ممن تؤخذ منه الجزية فلا تؤخذ من امرأة ولا صبي ولا مجنون ، وحكمها عنده حكم الجزية وإن خالفتها في الاسم .

قال الشافعي رحمه الله تعالى : وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى وأبوا الاسم .

وقال النعمان بن زرعة : خذ منهم الجزية باسم الصدقة .

قال الشافعي رحمه الله تعالى : واختلفت الأخبار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب ، فروي عنه أنه صالحهم على أن يضعف عليهم الجزية ، ولا يكرهوا على غير دينهم وهكذا حفظ أهل المغازي فقالوا : رامهم عمر رضي الله عنه على الجزية فقالوا : اردد ما شئت بهذا الاسم لا اسم الجزية ، فراضاهم على أن أضعف عليهم الصدقة وقال للمعشر " فإذا أضعفتها عليهم فانظر إلى مواشيهم وذهبهم وورقهم وأطعمتهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها وكل أمر أخذ فيه من مسلم خمس - فخذ خمسين ، وعشر فخذ عشرين ، ونصف عشر فخذ عشرا ، وربع عشر فخذ نصف عشر ، وكذلك [ ص: 213 ] مواشيهم فخذ الضعف منهم ، وكل ما أخذ من عشر ذمي فمسلكه مسلك الفيء ، وما اتجر به نصارى العرب وأهل دينهم ، وإن كانوا يهودا تضاعف عليهم فيه الصدقة ، انتهى .

قالوا : ولأنهم أهل ذمة فكان الواجب عليهم جزية لا صدقة كغيرهم من أهل الذمة .

قالوا : ولأنه مال يؤخذ من أهل الكتاب لحقن دمائهم ، فكان جزية كما لو أخذ باسم الجزية .

قالوا : ولأن الزكاة طهرة ، وهؤلاء ليسوا من أهل الطهرة .

قالوا : ولأن عمر رضي الله عنه إنما سألهم الجزية لم يسألهم الصدقة ، فالذي سألهم إياه عمر رضي الله عنه هو الذي بذلوه بغير اسمه .

قالوا : ولأن نساءهم وصبيانهم ومجانينهم ليسوا من أهل الزكاة ولا من أهل الجزية ، فلا يجوز أن يؤخذ منهم واحد منهما .

قالوا : ولأن المأخوذ منهم مصرف الفيء لا مصرف الصدقة ، فيباح لمن يباح له أخذ الجزية .

قال أصحاب أحمد : المتبع في ذلك فعل عمر رضي الله عنه ، وهم سألوه أن يأخذ منهم ما يأخذ من المسلمين ويضعفه عليهم فأجابهم إلى ذلك وهو يأخذ من صبيان المسلمين ونسائهم ومجانينهم ، وذلك هو الزكاة وعلى هذا البذل والصلح دخلوا وبه أقروا .

قالوا : ويدل عليه قوله : " من كل عشرين درهما درهم " فهذا غير مذهب الجزية ، بل مذهب الصدقة .

[ ص: 214 ] قالوا : فشرط عمر رضي الله عنه يقتضي أن يكون على أموال نسائهم وصبيانهم ما على أموال رجالهم .

قالوا : ولفظ الصلح إنما وقع على الصدقة المضاعفة لا على الجزية ، وهم الذين بذلوا ذلك فيؤخذ منهم ما التزموه .

قالوا : ولأن نساءهم وصبيانهم صينوا عن السبي بهذا الصلح ودخلوا في حكمه ، فجاز أن يدخلوا في الواجب به كالرجال العقلاء .

قال أبو عبيد : وهذا أشبه لأنه عمهم بالصلح ، فلم يستثن منهم صغيرا دون كبير والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية