[ ص: 313 ] ذكر أحكام أهل الذمة في أموالهم  
[ أموالهم التي يتجرون بها في المقام ]  
أما  
أموالهم التي يتجرون بها في المقام أو يتخذونها للقنية  ، فليس عليهم فيها صدقة فإن الصدقة طهرة وليسوا من أهلها .  
وأما  
زروعهم وثمارهم التي يستغلونها من أرض الخراج  فليس عليهم فيها شيء غير الخراج .  
وأما ما استغلوه من الأرض العشرية فهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف ، ونحن نذكر مذاهب الناس فيها وأدلة تلك المذاهب .  
قال  
أبو عبيد     : أما  
أرض العشر تكون للذمي  ففيها أربعة أقوال .  
حدثنا  
محمد  عن  
أبي حنيفة  قال : إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج .  
قال : قال  
أبو يوسف     : يضاعف عليه العشر .   
[ ص: 314 ] قال  
أبو عبيد     : وكذلك كان  
إسماعيل بن إبراهيم  ، - ولم أسمعه [ منه ] - يحدث به عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء  ،  
وإسماعيل بن مسلم  ورجل ثالث ذكره ، أنهم كانوا يأخذون من الذمي بأرض  
البصرة   العشر مضاعفا .  
قال : وكان  
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد  يقول : عليه العشر على حاله وبه كان يقول  
محمد بن الحسن     .  
أما  
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس  فحدثني عنه  
 nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير  أنه قال : لا شيء عليه فيها ; لأن  
الصدقة إنما هي على المسلمين  زكاة لأموالهم وطهرة لهم ،  
ولا صدقة على المشركين  في أرضهم ولا في مواشيهم إنما الجزية على رءوسهم      
[ ص: 315 ] صغارا لهم وفي أموالهم إذا مروا بها في تجاراتهم .  
وروى بعضهم عن  
مالك  أنه قال : لا عشر عليه ولكن يؤمر ببيعها ; لأن في إقراره عليها إبطالا للصدقة .  
وكذلك يروى عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح  أنه قال : لا عشر عليه ولا خراج إلا إذا اشتراها الذمي من مسلم ، وهي أرض عشر وهذا بمنزلته لو اشترى ماشيته أولست ترى أن الصدقة قد سقطت عنه فيها ؟ .  
وقد حكي عن  
شريك  شيء شبيه بهذا ، أنه قال في  
ذمي استأجر من مسلم أرض عشر  ، قال لا شيء على المسلم في أرضه ; لأن الزرع لغيره ولا شيء على الذمي لا عشر ولا خراج ; لأن الأرض ليست له هذا ما حكاه  
أبو عبيد     .  
وقال  
الخلال  في " الجامع " ، باب  
الذمي يشتري أرض العشر أو أرض الخراج  أو يستأجرها : أخبرني  
محمد بن [ أبي ] هارون  ومحمد بن   [ ص: 316 ] جعفر  قالا : حدثنا  
أبو الحارث  أن  
أبا عبد الله  سئل عن أرض أهل الذمة ؟ قال : من الناس من يقول ليس عليهم فيها شيء ، ومن الناس من يقول : يضعف عليهم الخراج ، قلت له : فما ترى ؟ قال فيها اختلاف     .  
ثم ذكر من رواية  
أبي الحارث  وصالح  واللفظ  
لصالح  أنه قال لأبيه : كم يؤخذ من أهل الذمة مما أخرجت أرضوهم ؟ فقال : من الناس من يقول : لا يكون عليهم إلا فيما تجروا ، ومن الناس من يقول : يضاعف عليهم .  
أخبرني  
حرب  قال : سألت  
أحمد  عن الذمي يشتري أرض العشر ؟ قال : لا أعلم عليه شيئا ، إنما الصدقة طهرة مال الرجل ، وهذا المشرك ليس عليه ، وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا ، يقولون : لا يترك الذمي أن يشتري أرض العشر .  
قال : وأهل  
البصرة   يقولون قولا عجبا يقولون : يضاعف عليهم .  
قال : ويعجبني أن يحال بينه وبين الشراء .   
[ ص: 317 ] أخبرني  
عصمة بن عصام  قال : حدثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=14624أبو بكر الصاغاني  قال :  سمعت  
أبا عبد الله  قال : يمنع أهل الذمة أن يشتروا من أرض المسلمين     .  
قال  
أبو عبد الله     : وليس في  
أرض أهل الذمة  صدقة ، إنما قال الله تعالى :  
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها  ، فأي طهرة للمشركين !  
وقال في رواية  
محمد بن موسى     : وأما ما كان للتجارة فمروا [ يعني على العشار ] فنصف العشر وأما أرضوهم فمن الناس من يقول : يضاعف عليهم العشر ، وما أدري ما هو إنما الصدقة طهرة .  
قال : وقد روى  
 nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد  عن أبيه عن  
عمر  رضي الله عنه أنه ضاعف عليهم الخراج ، وهذا ضعيف .  
وأما  
أهل  الحجاز    فحكي عنهم أنهم كانوا لا يدعونهم يشترون أرضهم ويقولون : في شرائهم ضرر على المسلمين .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12363إبراهيم بن الحارث     : سئل  
أبو عبد الله  عن أرض يؤدى عنها      
[ ص: 318 ] الخراج أيؤدى عنها العشر بعد الخراج قال نعم كل مسلم فعليه أن يؤدي العشر بعد الخراج ؟ فأما غير المسلم فلا عشر عليه .  
وقال في رواية  
بكر بن محمد  عن أبيه [ عن  
أبي عبد الله     ] : وسأله عن  
الذمي الذي يشتري أرض المسلم  ، قال : أرى عليه زكاة .  
قال : وحكوا عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل ابن علية  أنه ما كان يعرف هذا حتى ولي خالد الحذاء ، فكان يأخذ من أهل الذمة الخمس ، كأنه أضعف عليهم .  
وحكوا عن  
سفيان  ليس عليهم شيء .  
وحكى لي رجل من  
أهل  المدينة    أن  
أهل  المدينة    لا يدعون ذميا يشتري من أموال المسلمين ، يقولون : تذهب الزكاة .   
[ ص: 319 ] قال  
أبو عبد الله     : لا أرى بأسا أن يشتري وليس عليه زكاة ماله ، ألا ترى أن أموالهم ليس عليها شيء إلا أن يختلفوا بها في بلاد المسلمين ، فأما لو كانت في منازلهم لم يكن عليهم فيها شيء .  
وكذلك قال في رواية  
ابن القاسم     : إذا  
اشترى الذمي أرض العشر  سقط عنه العشر .  
قال : وينبغي أن يمنعوا من شرائها .  
وقال : أليس يحكى أن  
مالكا  يقول : يمنعون من ذلك لأنهم إذا اشتروا ما حولنا ذهبت الزكاة وذهب العشر ؟ وهذا في أرض العشر ، فأما الخراج فلا .  
وقال  
ابن مشيش     : سألت  
أبا عبد الله  قلت :  
المسلم يؤاجر أرض الخراج من الذمي  ، قال : لا يؤاجر الذمي ، وهذا ضرر ،  
وأهل  المدينة       - وذكر  
مالكا     - يقولون : لا تدع ذميا يزرع ; لأنه يبطل العشر إنما يكون عليه الخراج .   
[ ص: 320 ] وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد     : سمعت  
أبا عبد الله  يقول : لا تكرى أرض الخراج من أهل الكتاب ; لأنهم لا يؤدون الزكاة .  
قال أحمد : وحدثنا  
عفان  قال : حدثني  
سهيل  ، ثنا  
الأشعث  عن  
الحسن  أنه قال في  
أهل الذمة إذا اشتروا شيئا من أرض العشر  ، قال : فيه الخمس     .  
قال  
أحمد     : أضعفه [ عليهم ] ، وهذا مذهب البصريين .  
وقال  
أحمد     : ثنا  
هشيم  ، أخبرنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد  عن  
عمرو بن ميمون  عن أبيه أنه كتب إلى  
 nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز  في مسلم زارع ذميا ، فكتب إليه  
عمر  رحمه الله أن خذ من المسلم ما عليه من الحق في نصيبه وخذ من      
[ ص: 321 ] النصراني ما عليه     .  
قال  
الخلال     : والذي عليه العمل في قول  
أبي عبد الله  أنه ما كان في أيديهم من صلح أو خراج ، فهم على ما صولحوا عليه أو جعل على أرضهم من الخراج وما كان من  
أرض العشر فيمنعون من شرائها     ; لأنهم لا يؤدون العشر وإنما عليهم الجزية والخراج ، وذكر  
أبو عبد الله  في قول  
أهل  المدينة    وأهل  البصرة       .  
فأما  
أهل  المدينة    فيقولون : لا يترك الذمي يشتري أرض العشر . وأهل  
البصرة   يقولون : يضاعف عليهم .  
قال : ثم رأيت  
أبا عبد الله  بعد ذكره لذلك والاحتجاج لقولهم مال إلى قول  
أهل  البصرة    أنه إذا اشترى الذمي أرض العشر يضاعف عليه ، وهو أحسن القول ألا يمكنوا أن يشتروا ، فإن اشتروا ضوعف عليهم كما تضاعف عليهم الزكاة إذا مروا على العاشر ، وهي - في الأصل - ليست عليهم لو لم يمروا بها على العاشر واتجروا في منازلهم ، لم يكن عليهم شيء ، فلما مروا جعلت عليهم وأضعف عليهم ، وهو بمعنى واحد ، وإلا      
[ ص: 322 ] فأرض المسلمين هم أحق بها من أهل الذمة ، وكذلك ما كان في أيديهم مما صولحوا عليه فإنما يضاعف عليهم العشر ; لأن في أرضهم العشر وإنما ينظر ما يخرج من الأرض يؤخذ منهم العشر مرتين : هذا معنى ما كان في أيديهم وما اشتروه أيضا من أرض العشر على هذا النحو مضاعف عليهم .  
قال : وأنا أفسر ذلك من قول  
أبي عبد الله  رحمه الله تعالى .  
أخبرني  
 nindex.php?page=showalam&ids=15371عبد الملك بن عبد الحميد  قال : قال لي  
أبو عبد الله  في أرض أهل الذمة : من الناس من يتأول يأخذ من أرضهم الضعف ، قلت : فإذا لم يكن أرض خراج فكيف نأخذ منهم الضعف ؟ قال : ننظر إلى ما يخرج ، قلت : فهذا إذن في الحب إذا أخرجت ننظر إلى قدر ما أخرجت ، فيؤخذ منه العشر ونضعف عليهم مرة أخرى ؟ قال : نعم .  
ثم قال : ويؤخذ من  
أموال أهل الذمة إذا اتجروا فيها  قومت ثم أخذ منها زكاتها مرتين ، يضعف عليهم فمن الناس من يشبه الزرع بهذا .  
قال  
عبد الملك     : والذي لا أشك فيه من قول  
أبي عبد الله  غير مرة - أن  
أرض أهل الذمة التي في الصلح  ليس عليها خراج ، إنما ينظر ما أخرجت يؤخذ منهم العشر مرتين .  
قال  
عبد الملك     : قلت  
لأبي عبد الله     : فالذي يشتري أرض العشر ما عليه ؟ قال لي : الناس كلهم يختلفون في هذا منهم من لا يرى عليه شيئا      
[ ص: 323 ] ويشبهه بماله ليس عليه فيه زكاة إذا كان مقيما بين أظهرنا وبما يثبته فيقول : هذه أموال وليس عليه فيها صدقة .  
ومنهم من يقول : هذه حقوق لقوم ولا يكون شراؤه الأرض يذهب بحقوق هؤلاء .  
والحسن  يقول : من اشتراها ضوعف عليه ، قلت : فكيف يضعف عليه ، قال : لأن عليه العشر فيؤخذ منه الخمس ، قلت : يذهب إلى أن يضعف عليه فيؤخذ منه الخمس ؟ فالتفت إلي فقال : نعم يضعف عليهم .  
ثم قال لنا : ويدخل على الذمي ، قال : لا نرى بأن يأخذ لو أن رجلا موسرا منهم عمد إلى أرض من أرض العشر فاشتراها فلم يؤخذ منه شيء أضر هذا بحقوق هؤلاء .  
وقال  
أبو طالب     :  سألت  
أبا عبد الله  عن  
الرجل من أهل الذمة يشتري أرض العشر يكون عليه فيها العشر أو الخراج  ؟ قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز     : يضاعف عليه وقال بعض الناس : إنما الخراج على ما كان في أيديهم وفي المال العشر أو نصف العشر ، قلت : ما تقول أنت ؟ قال : قول  
عمر  والحسن   [ ص: 324 ] يضعف عليهم ، فقلت : فهو أحب إليك ، قال : نعم     .  
قال  
الخلال     : فقد بين  
أبو عبد الله  هاهنا مذهبه وحسن مذهب من جعل عليهم الضعف .  
قال  
الخلال     : وأقوى من قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز  والحسن  في الزيادة عليهم ما روي عن  
عائذ بن عمرو  ، وإن كان  
أبو عبد الله  لم يذكره في هذه الأبواب فإنه قد رواه وهو صحيح ، والعمل عليه مع ما تقدم من قول  
أبي عبد الله  الاختيار له .  
أخبرنا  
عبد الله  قال : حدثني أبي ، حدثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير  ، حدثنا  
شعبة  عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني  ، قال : سألت  
عائذ بن عمرو المزني  عن الزيادة على  
أهل فارس   فلم ير به بأسا ، وقال : إنما هو خولكم     .  
قال الخلال : وأخبرنا  
يعقوب بن سفيان أبو يوسف  قال : حدثني  
 nindex.php?page=showalam&ids=17011محمد بن فضيل  قال : ثنا  
سويد الكلبي  ، حدثنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة  عن  
شعبة  عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني  عن  
عائذ بن عمرو  فيما أخذ عنوة ، قال : زيدوا      
[ ص: 325 ] عليهم فإنهم خولكم ، انتهى     .  
فهذا مذهب  
أحمد  كما تراه : أنه يجب عليهم عشران وعليه أكثر نصوصه واحتجاجه ، وكثير من أصحابه يحكي مذهبه أنه لا عشر عليه ، ومنهم من يقول : وعنه عليهم عشران وإذا كانوا إذا اتجروا في غير بلادهم أخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين مع جواز التجارة لهم ، وأنهم لا يسقطون بها حقا لمسلم ، فإذا دخلوا في الأرض العشرية بشراء أو كراء وهم ممنوعون من ذلك ، فلأن يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم بطريق الأولى ، إذ لو لم يؤخذ منهم لتعطلت حقوق أرباب العشر وما عليه من      
[ ص: 326 ] المنقطعين من الجند والفقراء وغيرهم ، وفي ذلك فساد عظيم ، فإنا لو مكناهم من الدخول في أرض العشر وهم يعلمون أنه لا عشر عليهم لتهافتوا وتهالكوا عليها لكثرة المغل وقلة المئونة فتذهب حقوق المسلمين وهذا باطل .  
وقياس الأرض على المواشي والعروض قياس فاسد ، فإن المواشي والعروض لا تراد للتأبيد بل تتناقلها الأيدي ، وتختلف عليها الملاك والأرض إذا صارت لواحد منهم ولا عشر عليه فيها ولا خراج ، عض عليها بالنواجذ وأمسكها بكلتا يديه ، وعطل مصلحتها على أهل العشر ولهذا لما علم  
أبو حنيفة  فساد هذا قال : إذا اشترى أرض العشر تحولت خراجية .  
ومذهب  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في هذا : أنهم لا يمكنون من شراء أرض العشر واكترائها ، وأنه لا شيء عليهم في زروعهم وثمارهم ، كما لا زكاة عليهم في مواشيهم وعروضهم ونقودهم .  
وهو اختيار  
أبي عبيد  وطائفة من أصحاب  
أحمد  ، وهو المشهور عند أصحاب  
مالك  ، ومذهبه الذي نص عليه منعهم من شراء أرض العشر .  
فإن قيل : فما مصرف ما يؤخذ من أرضهم ؟ قيل : مصرفه مصرف ما يؤخذ من التغلبي ، وفيه روايتان كما تقدم أصحهما أنه مصرف الفيء فكذا هذا .  
فإن قيل : فلو  
باعها لمسلم أو أسلم  ؟ فقال الأصحاب : يسقط عنه أحد العشرين ويبقى الآخر وهو عشر الزكاة ، ولم يفصلوا .   
[ ص: 327 ] وقياس المذهب التفصيل ، وأنه إن باعها أو أسلم قبل اشتداد الحب فكذلك وإن باعها بعد اشتداده ووجوب العشرين لم يسقط أحدهما ، وإن أسلم بعد اشتداد الحب وصلاح الثمر سقط عنه العشران .  
أما عشر الزكاة فلأنه وقت الوجوب لم يكن من أهله ، وأما العشر المضاعف فإنما وجب بسبب الكفر فإذا أسلم سقط عنه كما تسقط الجزية بإسلامه .  
فإن قيل : فلو  
اشترى ذمي أرضا خراجية من تغلبي فما حكمها  ؟ قيل : قد اختلف في ذلك الأصحاب على ثلاثة أوجه :  
أحدها : أنه لا شيء عليه في نبتها كما لو اشتراها من مسلم .  
والثاني : عليه فيها عشر واحد .  
والثالث : عليها فيها عشران كما كان على التغلبي ، وهو الأقيس والأصح .  
فإن قيل : فما تقولون لو  
اشترى ذمي أرضا من مسلم لا عشر فيها  ، مثل أن كانت دورا أو خانا ونحو ذلك فزرعها فهل يجب في زرعها شيء ؟ قيل : لا يجب عليه شيء في هذه الصورة ولا يمنع من شرائها ، فإنه لم يسقط بذلك حق مسلم من الأرض .  
وكذلك الحكم لو اشترى أرضا خراجية من ذمي فزرعها لم يكن عليه غير الخراج ، كما كانت في يد البائع وكما لو ورثها .  
وقال  
أبو عبد الله بن حمدان  في " رعايته " : وإن اشترى ذمي أرضا      
[ ص: 328 ] خراجية أو أرض تغلبي جاز ولا شيء عليه في نبتها وقيل : بل عشران ، وقيل : بل عشر في نبت الخراجية لا فيما اشتراه من تغلبي .  
قلت : أما شراؤه أرض التغلبي فإنه يتوجه أن يجب عليه عشران ، كما كان يجب على التغلبي ولا يسقط بشرائه حق المسلمين الذي كان على أرض التغلبي بل إذا ضوعف عليه العشر بشرائها من مسلم حيث لم يكن واجبا ، فلأن يؤخذ منه ما كان واجبا على التغلبي أولى وأحرى .  
وأما شراؤه للأرض الخراجية التي لا عشر عليها فهذا لا يتوجه فيه نزاع ، ولا نقبل ما ذكره من الأقوال ، ولاسيما إذا اشتراها من ذمي كما يدخل في عموم كلامه ، فهذا لم يقل أحد : إن عليه فيها عشرين ولا عشرا .  
فإن قيل : يحمل كلامه على ما إذا اشتراها من مسلم قيل : إن كانت عشرية - مع كونها خراجية - فقد تقدم حكمها ، وإن لم تكن عشرية بأن كانت دارا أو خانا جاز له شراؤها ولا عشر عليه في زرعها اتفاقا كما تقدم ، بل هذا من سوء التفريع والتصرف ، والله أعلم .  
فإن قيل : فما تقولون في إجارة الأرض العشرية للذمي ؟ قيل : قد نص  
أحمد  رحمه الله تعالى على صحة الإجارة مع الكراهة ، والفرق بينها وبين البيع أن البيع يراد للدوام ، بخلاف الإجارة ، والحكم في زرعه كالحكم في زرع ما اشتراه ، وقيل : لا شيء عليه هاهنا وإن أوجبنا عليه العشرين      
[ ص: 329 ] في صورة الشراء ويكون كما لو اشترى الزرع وحده ، وهذا ليس بصحيح فإن الموجب لمضاعفة العشر عليه في صورة الشراء هو بعينه موجود في صورة الإجارة .  
وأما شراؤه الزرع ، فإن اشتراه قبل اشتداد حبه لم يصح البيع ، وإن اشتراه بعد اشتداد حبه فزكاته على البائع .  
فإن قيل : فلو اشتراه مع الأرض قبل اشتداد الحب ، قيل : حكمه حكم ما زرعه بنفسه .