صفحة جزء
[ ص: 448 ] 86 - فصل

في المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم .

قال أبو طالب : سألت أبا عبد الله : يستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج ؟ قال : لا يستعان بهم في شيء .

وقال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 449 ] وسلم : " إنا لا نستعين بمشرك " .

قال عبد الله : قال أبي : هذا خطأ أخطأ فيه وكيع إنما هو عن الفضل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الحرة ، فقال : إني أردت أن أتبعك وأصيب معك ، قال : " تؤمن بالله ورسوله ؟ " قال : لا ، : " قال ارجع ، فلن أستعين بمشرك " .

ثم لحقه عند الشجرة ، ففرح بذلك أصحاب رسول الله صلى الله [ ص: 450 ] عليه وسلم وكان له قوة وجلد ، قال : جئت لأتبعك وأصيب معك ، قال : " تؤمن بالله ورسوله ؟ " قال : لا ، قال : " ارجع فلن أستعين بمشرك " .

ثم لحقه حتى ظهر على البيداء ، فقال له مثل ذلك ، قال : " أتؤمن بالله ورسوله ؟ " قال : نعم ، فخرج معه
. رواه مسلم في صحيحه بنحوه .

وفي " مسند " الإمام أحمد من حديث [ ص: 451 ] خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم ، فقلنا : إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم ، فقال : " أسلمتما " ؟ فقلنا : لا ، قال : " فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين " ، قال : فأسلمنا وشهدنا معه .

وفي " السنن " و " المسند " من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا " .

[ ص: 452 ] وفسر قوله : " لا تستضيئوا بنار المشركين " يعني : لا تستنصحوهم ولا تستضيئوا برأيهم .

والصحيح أن معناه : مباعدتهم وعدم مساكنتهم ، كما في الحديث الآخر : " أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين لا تراءى نارهما " .

[ ص: 453 ] وأما النهي عن نقش الخاتم بالعربي فهذا قد جاء مفسرا في الحديث الذي رواه مسلم في " صحيحه " من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ذهب ، ثم ألقاه ، ثم اتخذ خاتما من ورق ، ونقش فيه " محمد رسول الله " ، وقال : " لا ينقش أحد على نقش خاتمي " .

فإن كان الراوي حفظ اللفظ الآخر فيكون النهي عنه من باب حماية [ ص: 454 ] الذريعة لئلا يتطرق بنقش " العربي " إلى نقش " محمد رسول الله " فتذهب فائدة الاختصاص بالنقش المذكور ، والله أعلم .

وقال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ثنا وكيع ، ثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قلت لعمر رضي الله عنه : إن لي كاتبا نصرانيا ، قال : مالك ؟ قاتلك الله ! أما سمعت الله تعالى يقول : ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، ألا اتخذت حنيفا ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه ، قال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله .

وكتب إليه بعض عماله يستشيره في استعمال الكفار ، فقال : إن المال قد كثر ، وليس يحصيه إلا هم فاكتب إلينا بما ترى ، فكتب إليه : لا تدخلوهم في دينكم ولا تسلموهم ما منعهم الله منه ، ولا تأمنوهم على أموالكم ، وتعلموا الكتابة فإنما هي الرجال .

[ ص: 455 ] وكتب إلى عماله : أما بعد ، فإنه من كان قبله كاتب من المشركين فلا يعاشره ولا يوازره ولا يجالسه ولا يعتضد برأيه ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر باستعمالهم ، ولا خليفته من بعده .

وورد عليه كتاب معاوية بن أبي سفيان : أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فإن في عملي كاتبا نصرانيا لا يتم أمر الخراج إلا به ، فكرهت أن أقلده دون أمرك ، فكتب إليه : عافانا الله وإياك قرأت كتابك في أمر النصراني ، أما بعد ، فإن النصراني قد مات ، والسلام .

وكان لعمر رضي الله عنه عبد نصراني فقال له : أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين ، فإنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمرهم بمن ليس منهم ، فأبى ، فأعتقه وقال : اذهب حيث شئت .

وكتب إلى أبي هريرة رضي الله عنه : أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله أن تدركني وإياك ، أقم الحدود ولو ساعة من النهار ، وإذا حضرك أمران أحدهما لله والآخر للدنيا فآثر نصيبك من الله ، فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى ، عد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح بابك وباشرهم ، وأبعد أهل الشر وأنكر أفعالهم ولا تستعن في أمر من أمور المسلمين بمشرك ، وساعد على مصالح المسلمين بنفسك ، فإنما أنت رجل منهم غير أن الله تعالى جعلك حاملا لأثقالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية