صفحة جزء
[ ص: 456 ] 87 - فصل

[ في حال خلفاء المسلمين مع أهل الذمة ]

ودرج على ذلك الخلفاء الذين لهم ثناء حسن في الأمة ، كعمر بن عبد العزيز والمنصور والرشيد والمهدي والمأمون والمتوكل والمقتدر ، ونحن نذكر بعض ما جرى .

[ حال عمر بن عبد العزيز مع أهل الذمة ]

فأما عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فإنه كتب إلى جميع [ ص: 457 ] عماله في الآفاق : أما بعد ، فإن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم من كتاب الله : ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ، جعلهم الله " حزب الشيطان " وجعلهم : بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، واعلموا أنه لم [ ص: 458 ] يهلك من هلك من قبلكم إلا بمنعه الحق وبسطه يد الظلم ، وقد بلغني عن قوم من المسلمين فيما مضى أنهم إذا قدموا بلدا أتاهم أهل الشرك فاستعانوا بهم في أعمالهم وكتابتهم لعلمهم بالكتابة والجباية والتدبير ، ولا خيرة ولا تدبير فيما يغضب الله ورسوله ، وقد كان لهم في ذلك مدة وقد قضاها الله تعالى ، فلا أعلمن أن أحدا من العمال أبقى في عمله رجلا متصرفا على غير دين الإسلام إلا نكلت به ، فإن محو أعمالهم كمحو دينهم ، وأنزلوهم منزلتهم التي خصهم الله بها من الذل والصغار ، وآمر بمنع اليهود والنصارى من الركوب على السروج إلا على الأكف ، وليكتب كل منكم بما فعله من عمله .

وكتب إلى حيان ، عامله على مصر باعتماد ذلك فكتب إليه : أما بعد يا أمير المؤمنين فإنه إن دام هذا الأمر في مصر أسلمت الذمة ، وبطل ما يؤخذ منهم ، فأرسل إليه رسولا وقال له : اضرب حيان على رأسه ثلاثين سوطا أدبا على قوله ، وقل له : من دخل في دين الإسلام فضع عنه الجزية ، فوددت لو أسلموا كلهم ، فإن الله بعث محمدا داعيا لا جابيا .

وأمر أن تهدم بيع النصارى المستجدة ، فيقال : إنهم توصلوا إلى بعض [ ص: 459 ] ملوك الروم وسألوه في مكاتبة عمر بن عبد العزيز ، فكتب إليه : أما بعد يا عمر ، فإن هؤلاء الشعب سألوا في مكاتبتك لتجري أمورهم على ما وجدتها عليه ، وتبقي كنائسهم ، وتمكنهم من عمارة ما خرب منها ، فإنهم زعموا أن من تقدمك فعل في أمر كنائسهم ما منعتهم منه ، فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم فاسلك سنتهم ، وإن يكونوا مخالفين لها فافعل ما أردت .

فكتب إليه عمر : أما بعد فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله تعالى في قصة داود وسليمان : إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما .

وكتب إلى بعض عماله : أما بعد ، فإنه بلغني أن في عملك كاتبا نصرانيا يتصرف في مصالح الإسلام ، والله تعالى يقول : ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ، فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسان بن زيد - يعني : ذلك الكاتب - إلى الإسلام ، فإن أسلم فهو منا ونحن منه ، وإن أبى فلا تستعن به ولا تتخذ أحدا على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين ، فأسلم حسان وحسن إسلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية