صفحة جزء
331 - وفي حديث آخر : رواه أبو ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الله جل اسمه مقبلا على العبد ما لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه " وفي لفظ آخر قال : " إذا لينصرف وجهه عنه " وفي لفظ آخر قال : " إذا التفت أعرض عنه " .

اعلم أن الكلام في فصلين : أحدهما : قوله : " إن الله قبل وجهه ومواجهه " والثاني : في الإعراض أما الأول فغير ممتنع حمله على ظاهره ، إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ، لأن ذلك لا يوجب الجهة في حقه ، كما لم يوجب الجهة في القول بجواز رؤيته في الآخرة ، [ ص: 353 ] وإن كنا نعلم في الشاهد أن المرئي لا يكون إلا في جهة كذلك ها هنا ، وفي هذا إسقاط لقولهم إن وصفه بذلك يفضي إلى الجهة والمحاذاة والمقابلة ، لأنه لا يفضي إلى ذلك ، كما لم يفض هذا القول إلى القول بجواز رؤيته ، وفي القول بالاستواء على العرش فإن قيل : معناه ثواب الله ينزل على هذا المصلي قبل وجهه وكرامته ، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يجيء القرآن بين يدي صاحبه يوم القيامة " [ ص: 354 ] أي : يجيء ثوابه ، ويحتمل أن يكون ذلك على معنى الترغيب في إدمان الخشوع وإحضار القلب حين يشغله ذلك عن غيره .

قيل : هذا غلط لأن ثواب الله تعالى وكرامته لا تختص بالمصلي ، ولا يختص تلقاء وجهه ، لأنها عامة قبل الصلاة وبعدها ، وأمامه ووراه ، وقد قال تعالى : ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ) [ ص: 355 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية