صفحة جزء
87 - وقال يعقوب بن بختان: سألت أبا عبد الله عن المعراج فقال: رؤيا الأنبياء وحي. فقد أثبت ليلة الإسراء وأنكر قول من قال إنها منام، وقوله: رؤيا الأنبياء وحي معناه: أنها لو كانت مناما لكانت وحيا لأنهم أعينهم تنام وقلوبهم لا تنام.

والدلالة على صحته وإثباتها وجوه أحدها: قوله تعالى: ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) [ ص: 105 ] وهذا يدل على ثبوت الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ويدل على ثبوته إلى السماء قوله تعالى: ( وهو بالأفق الأعلى ) .

فإن قيل: المراد به جبريل قيل: بل المراد به النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنه تقدم ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، وذكر جبريل بقوله: ( ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) هذا كله كناية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وقوله بعده: ( علمه شديد القوى ذو مرة ) المراد به جبريل وقوله: ( فاستوى ) يعني النبي، صلى الله عليه وسلم، استوى على الشريعة، ثم قال بعد ذلك: ( وهو بالأفق الأعلى ) فعادت الكناية إلى أقرب المذكور وهو النبي، صلى الله عليه وسلم. [ ص: 106 ]

ومنها دليل آخر قوله: ( ولقد رآه نزلة أخرى ) يعني مرة أخرى ( عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ) والمراد به نبينا فأخبر أن رؤيته كانت عند سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة.

فإن قيل: المراد به رؤية جبريل لربه، قيل: لا يصح لوجهين: أحدهما: أنه قد تقدم ذكرهما وأقرب المذكور النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنه قال تعالى: ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى ) والمراد به النبي، صلى الله عليه وسلم، لأن الوحي كان إليه، ثم قال بعده: ( ولقد رآه نزلة أخرى ) .

والثاني قوله: ( أفتمارونه على ما يرى ) والمماراة إنما كانت بين قريش وبين النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم تكن بينها وبين جبريل.

فإن قيل: يحتمل أن يكون جبريل عند السدرة والنبي، صلى الله عليه وسلم، في الأرض خرقت له الحجب، قيل: لو كان كذلك لنقل ذلك لأنه من أعظم المعجزات.

التالي السابق


الخدمات العلمية