صفحة جزء
فإن النظر له عدة استعمالات ، بحسب صلاته وتعديه بنفسه : فإن عدي بنفسه فمعناه : التوقف والانتظار ، انظرونا نقتبس من نوركم ( الحديد : 13 ) . وإن عدي بـ " في " فمعناه : التفكر والاعتبار ، كقوله : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ( الأعراف : 185 ) . وإن عدي بـ " إلى " فمعناه : المعاينة بالأبصار ، كقوله تعالى : انظروا إلى ثمره إذا أثمر ( الأنعام : 99 ) . فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر ؟ وروى ابن مردويه بسنده إلى ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة ، قال : من البهاء والحسن إلى ربها ناظرة ، قال في وجه [ ص: 210 ] الله عز وجل . عن الحسن قال : نظرت إلى ربها فنضرت بنوره . وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، إلى ربها ناظرة قال : تنظر إلى وجه ربها عز وجل . وقال عكرمة : وجوه يومئذ ناضرة ، قال : من النعيم ، إلى ربها ناظرة ، قال : تنظر إلى ربها نظرا ، ثم حكى عن ابن عباس مثله . وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث .

وقال تعالى : لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ( ق : 35 ) . قال الطبري : قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك رضي الله عنهما : هو النظر إلى وجه الله عز وجل .

وقال تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( يونس : 26 ) ، [ ص: 211 ] فالحسنى : الجنة ، والزيادة : هي النظر إلى وجهه الكريم ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده ، كما روى مسلم في ( ( صحيحه ) ) عن صهيب ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( يونس : 26 ) ، قال : ( ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار ؟ فيكشف الحجاب ، فينظرون إليه ، فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، وهي الزيادة ) ) . ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أخر ، معناها أن الزيادة : النظر إلى وجه الله عز وجل . وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم . روى ابن جرير ذلك عن جماعة ، منهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وحذيفة ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، رضي الله عنهم .

وقال تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( المطففين : 15 ) . [ ص: 212 ] احتج الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة ، ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي . وقال الحاكم : حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال : حضرت محمد بن إدريس الشافعي ، وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها : ما تقول في قول الله عز وجل : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( المطففين : 15 ) ؟ فقال الشافعي : لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية