وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى :  
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا     ( الأنبياء : 22 ) . لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن ، ودعت إليه الرسل عليهم السلام ، وليس الأمر كذلك ، بل  
التوحيد الذي      [ ص: 29 ] دعت إليه الرسل ، ونزلت به الكتب ،  هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ، وأن خالق السماوات والأرض واحد ، كما أخبر تعالى عنهم بقوله :  
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله     ( لقمان : 25 ) .  
قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون  سيقولون لله قل أفلا تذكرون     ( المؤمنون : 84 - 85 ) . ومثل هذا كثير في القرآن .  
ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم ، بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من  
الهند   والترك   والبربر   وغيرهم ، تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين ، ويتخذونهم شفعاء ، ويتوسلون بهم إلى الله ، وهذا كان أصل شرك العرب ، قال تعالى حكاية عن  
قوم  نوح       .  
وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا  ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا     ( نوح : 23 ) ، وقد ثبت في صحيح  
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ، وكتب التفسير ، وقصص الأنبياء وغيرها ، عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما ، وغيره من السلف ، أن هذه أسماء قوم صالحين في  
قوم  نوح    ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد ، فعبدوهم وأن هذه الأصنام بعينها صارت إلى قبائل العرب ، ذكرها  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما ، قبيلة قبيلة .   
[ ص: 30 ] وقد ثبت في صحيح  
مسلم  عن  
أبي الهياج الأسدي  ، قال : قال لي  
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  رضي الله عنه :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=964176ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته  
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته :      
[ ص: 31 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=964177لعن الله  اليهود   والنصارى   ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد  يحذر ما فعلوا ، قالت  
عائشة  رضي الله عنها : ولولا ذلك لأبرز قبره ، ولكن كره أن يتخذ مسجدا ، وفي الصحيحين  
nindex.php?page=hadith&LINKID=964178أنه ذكر في مرض موته كنيسة  بأرض الحبشة   ، وذكر له من حسنها وتصاوير فيها ، فقال : إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة  
وفي صحيح  
مسلم  عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=964179إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك     .   
[ ص: 32 ] ومن أسباب الشرك عبادة الكواكب ، واتخاذ الأصنام  بحسب ما يظن أنه مناسب للكواكب من طباعها . وشرك  
قوم  إبراهيم    عليه السلام كان - فيما يقال - من هذا الباب . وكذلك الشرك بالملائكة والجن ، واتخاذ الأصنام لهم .  
وهؤلاء كانوا مقرين بالصانع ، وأنه ليس للعالم صانعان ، ولكن اتخذوا هؤلاء شفعاء ، كما أخبر عنهم تعالى بقوله :  
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى     ( الزمر : 3 ) . وقال تعالى :  
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون     ( يونس : 18 ) .  
وكذلك كان حال الأمم السالفة المشركين الذين كذبوا الرسل . كما حكى الله تعالى في قصة  
صالح   عليه السلام عن التسعة رهط الذين تقاسموا بالله ، أي : تحالفوا بالله ، لنبيتنه وأهله . فهؤلاء المفسدون المشركون تحالفوا بالله عند قتل نبيهم وأهله ، وهذا يبين أنهم كانوا مؤمنين بالله إيمان المشركين .  
فعلم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية ، الذي يتضمن توحيد الربوبية . قال تعالى :  
فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون  إلى قوله :  
إذا هم يقنطون     ( الروم : 30 - 36 ) .   
[ ص: 33 ] وقال تعالى :  
أفي الله شك فاطر السماوات والأرض     ( إبراهيم : 10 ) . وقال صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=964180كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه  ولا يقال : إن معناه يولد ساذجا لا يعرف توحيدا ولا شركا ، كما قاله بعضهم - لما تلونا ، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن      
[ ص: 34 ] ربه عز وجل :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=964181خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين  الحديث .  
وفي الحديث المتقدم ما يدل على ذلك ، حيث قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=964182يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه  ولم يقل : ويسلمانه . وفي رواية : يولد على الملة وفي أخرى : على هذه الملة .