صفحة جزء
وهذه حال كثير من الناس من الذين ولدوا على الإسلام ، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب ، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة ، بل هو من مسلمة الدار ، لا مسلمة الاختيار ، وهذا إذا قيل له في قبره : من ربك ؟ قال ؟ هاه هاه ، لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .

فليتأمل اللبيب هذا المحل ، ولينصح نفسه ، وليقم معه ، ولينظر من أي الفريقين هو ؟ والله الموفق ، فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل ، فإنه مركوز في الفطر . وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة ، وقد خرج من بين الصلب والترائب ، والترائب : عظام الصدر ، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين ، في ظلمات ثلاث ، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق ، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق ، واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئا لم يقدروا . ومحال توهم عمل الطبائع فيها ، لأنها موات عاجزة ، ولا توصف بحياة ، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير ، فإذا تفكر في ذلك وانتقال [ ص: 317 ] هذه النطفة من حال إلى حال ، علم بذلك توحيد الربوبية ، فانتقل منه إلى توحيد الإلهية . فإنه إذا علم بالعقل أن له ربا أوجده ، كيف يليق به أن يعبد غيره ؟ وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينا وتوحيدا ، والله الموفق ، لا رب غيره ، ولا إله سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية