صفحة جزء
فعلم أن الخلة أخص من مطلق المحبة ، والمحبوب بها لكمالها يكون محبا لذاته ، لا لشيء آخر ، إذ المحبوب لغيره هو مؤخر في الحب عن ذلك الغير ، ومن كمالها لا تقبل الشركة [ ولا ] المزاحمة ، لتخللها المحب ، ففيها كمال التوحيد وكمال الحب . ولذلك لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ، وكان إبراهيم قد سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا ، فوهب له إسماعيل ، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه ، فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره ، فامتحنه به بذبحه ، ليظهر سر الخلة [ ص: 398 ] في تقديمه محبة خليله على محبة ولده ، فلما استسلم لأمر ربه ، وعزم على فعله ، فظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثارا لمحبة خليله على محبته ، نسخ الله ذلك عنه ، وفداه بالذبح العظيم ، لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أمر ، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح نفسه مفسدة ، فنسخ في حقه ، وصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضحايا سنة في أتباعه إلى يوم القيامة .

وكما أن منزلة الخلة الثابتة لإبراهيم صلوات الله عليه قد شاركه فيها نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، كذلك منزلة التكليم الثابتة لموسى صلوات الله عليه قد شاركه فيها نبينا صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في حديث الإسراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية