صفحة جزء
والجهمية : هم المنتسبون إلى جهم بن صفوان الترمذي ، وهو الذي أظهر نفي الصفات والتعطيل ، وهو أخذ ذلك عن الجعد بن درهم ، الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط ، فإنه خطب الناس في يوم عيد الأضحى ، وقال : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ! ثم نزل فذبحه . وكان ذلك بعد استفتاء علماء زمانه ، وهم السلف الصالح رحمهم الله تعالى .

وكان جهم بعده بخراسان ، فأظهر مقالته هناك ، وتبعه عليها ناس ، [ ص: 795 ] بعد أن ترك الصلاة أربعين يوما شكا في ربه ! وكان ذلك لمناظرته قوما من المشركين ، يقال لهم السمنية ، من فلاسفة الهند ، الذين ينكرون من العلم ما سوى الحسيات ، قالوا له : هذا ربك الذي تعبده ، هل يرى أو يشم أو يذاق أو يلمس ؟ فقال : لا ، فقالوا : هو معدوم ! ! فبقي أربعين يوما لا يعبد شيئا ، ثم لما خلا قلبه من معبود يألهه ، نقش الشيطان اعتقادا نحته فكره ، فقال : إنه الوجود المطلق ! ! ونفى جميع الصفات ، واتصل بالجعد .

وقد قيل : إن الجعد كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران ، وأنه أيضا أخذ شيئا عن بعض اليهود المحرفين لدينهم ، المتصلين بلبيد بن الأعصم ، الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم . فقتل جهم بخراسان ، قتله سلم بن أحوز ولكن كانت قد فشت مقالته في الناس ، وتقلدها بعده المعتزلة . ولكن كان الجهم أدخل في التعطيل منهم ، لأنه ينكر الأسماء حقيقة ، وهم لا ينكرون الأسماء بل الصفات .

وقد تنازع العلماء في الجهمية : هل هم من الثنتين وسبعين فرقة أم لا ؟ ولهم في ذلك قولان : وممن قال إنهم ليسوا من الثنتين وسبعين فرقة - عبد الله بن المبارك ، ويوسف بن أسباط .

[ ص: 796 ] وإنما اشتهرت مقالة الجهمية من حين محنة الإمام أحمد بن حنبل وغيره من علماء السنة ، فإنه من إمارة المأمون قووا وكثروا ، فإنه كان قد أقام بخراسان مدة واجتمع بهم ، ثم كتب بالمحنة من طرسوس سنة ثمان عشرة ومائتين وفيها مات ، وردوا الإمام أحمد إلى الحبس ببغداد إلى سنة عشرين ، وفيها كانت محنته مع المعتصم ومناظرته لهم بالكلام ، فلما رد عليهم ما احتجوا به عليه ، وبين أنه لا حجة لهم في شيء من ذلك ، وأن طلبهم من الناس أن يوافقوهم وامتحانهم إياهم - : جهل وظلم ، وأراد المعتصم إطلاقه ، أشار عليه من أشار بأن المصلحة ضربه ، لئلا تنكسر حرمة الخلافة مرة بعد مرة ! فلما ضربوه قامت الشناعة في العامة ، وخافوا ، فأطلقوه . وقصته مذكورة في كتب التاريخ .

ومما انفرد به جهم : أن الجنة والنار تفنيان ، وأن الإيمان هو المعرفة فقط ، والكفر هو الجهل فقط ، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده ، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز ، كما يقال تحركت الشجرة ، ودار الفلك ، وزالت الشمس ! ولقد أحسن القائل :


عجبت لشيطان دعا الناس جهرة إلى النار واشتق اسمه من جهنم

وقد نقل أن أبا حنيفة رحمه الله ، لما سئل عن الكلام في الأعراض والأجسام ؟ فقال : لعن الله عمرو بن عبيد ، هو فتح على الناس الكلام في هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية