لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر  ، قال الحجاج بن علاط   : يا رسول الله ، إن لي بمكة  مالا ، وإن لي  [ ص: 195 ] بها أهلا ، وإني أريد أن آتيهم ، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا ؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء ، قال : فأتى امرأته حين قدم ، فقال : اجمعي ما كان عندك ، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد  وأصحابه ، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ، قال : وفشا ذلك بمكة  ، فأوجع المسلمين ، وأظهر المشركون فرحا وسرورا ، وبلغ الخبر  nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب  ، فعقر في مجلسه وجعل لا يستطيع أن يقوم . 
قال معمر   : فأخبرني الجزري  ، عن مقسم  ، قال : فأخذ العباس  ابنا له يقال له : قثم  ، وكان شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستلقى ، فوضعه على صدره ، وهو يقول : 
حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم     بادي النعم 
برغم أنف من رغم 
قال معمر   : قال ثابت   : قال أنس   : ثم أرسل غلاما له إلى  [ ص: 196 ] الحجاج بن علاط  ، فقال : ويلك ، ما جئت به ؟ وماذا تقول ؟ فما وعد الله خير مما جئت به ، قال الحجاج  لغلامه : أقرئ أبا الفضل  السلام ، وقل له : فليخل لي بعض بيوته لآتيه ، فإن الخبر على ما يسره ، فجاء غلامه ، فلما بلغ الباب ، قال : أبشر أبا الفضل  ، فوثب العباس  فرحا حتى قبل بين عينيه ، فأخبره بما قال الحجاج  فأعتقه ، ثم جاء الحجاج  فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر  وغنم أموالهم ، وجرت سهام الله في أموالهم ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم  nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي  ، واتخذها لنفسه ، وخيرها بين أن يعتقها فتكون زوجته ، وبين أن تلحق بأهلها ، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته ، ولكن جئت لما كان لي هاهنا ، أردت أن أجمعه وأذهب به ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت ، فاخف علي ثلاثا ، ثم اذكر ما بدا لك . 
قال : فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع فجمعته فدفعته إليه ، ثم استمر به ، فلما كان بعد ثلاث ، أتى العباس  امرأة الحجاج ، فقال : ما فعل زوجك ؟ فأخبرته أنه قد ذهب ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل  ، لقد شق علينا الذي بلغك ، قال : أجل ، لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد  [ ص: 197 ] الله إلا ما أحببناه ، قد أخبرني الحجاج  أن الله فتح خيبر  على رسوله ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم  nindex.php?page=showalam&ids=199صفية  لنفسه ، فإن كان لك حاجة في زوجك فالحقي به ، قالت : أظنك والله صادقا ، قال : فإني صادق ، والأمر على ما أخبرتك . 
قال : ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش  ، وهم يقولون : لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل  ، قال : لم يصبني إلا خير بحمد الله ، قد أخبرني الحجاج  أن خيبر  فتحها الله على رسوله ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم  nindex.php?page=showalam&ids=199صفية  لنفسه ، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا ، وإنما جاء ليأخذ ما كان له ثم يذهب . 
قال : فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، وخرج من المسلمين من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس  ، ورد الله ما كان من كآبة أو غيظ أو خزي على المشركين