صفحة جزء
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب

يدل على هذا قوله: كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد قال المفسرون: كانت له أوتاد يعذب الناس عليها، وذلك أنه كان إذا غضب على أحد وتد يده ورجليه ورأسه على الأرض، وقال عطية : ذو الجنود والجموع الكثيرة يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشددون ملكه كما يقوي الوتد الشيء، وقيل: ذو الملك الشديد الثابت، كما قال الأسود :


في ظل ملك ثابت الأوتاد



[ ص: 542 ] ولما ذكر هؤلاء المكذبين، قال: أولئك الأحزاب فأعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب.

"إن كل" ما كل منهم، إلا كذب الرسل فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم، وما ينظر هؤلاء يعني كفار مكة، أي: ما ينتظرون لوقوع العذاب بهم، إلا صيحة واحدة يعني: النفخة الأخيرة، ما لها من فواق وقرئ -بالضم- قال الزجاج : فواق وفواق بضم الفاء وفتحها، أي: ما لها من رجوع. والفواق ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع أيضا؛ لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين، وأفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة. قال مجاهد : "ما لها من فواق" رجوع. أي: ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع، وهو معنى قول مقاتل : من مرد ولا رجعة، وقال قتادة ، والضحاك : ليس لها مثنوية أي: صرف ورد، والمعنى أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف حتى يبعثوا وينجز لهم ميعاد العذاب.

قوله تعالى: وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب معنى القط في اللغة: النصيب، من القط بمعنى القطع، والنصيب إنما هو القطعة من الشيء، وتسمى كتب الجوائز قطوطا لأنهم كانوا يكتبون الأنصباء من العطايا في الصحائف. يقال: أخذ فلان قطه إذا أخذ كتابه الذي كتب له بجائزته وصلته، ثم سميت الكتب قطوطا وإن لم تكن للصلة، والمفسرون مختلفون على هذين القولين: فقال ابن عباس : قطنا، حظنا من العذاب والعقوبة، وقال قتادة : نصيبنا من العذاب، يقولون ذلك استهزاء، وقال سعيد بن جبير ، والسدي : لما ذكر لهم ما في الجنة "قالوا ربنا عجل لنا" نصيبنا منها في الدنيا.

[ ص: 543 ] وقال أبو العالية ، والكلبي ، ومقاتل : لما نزلت فأما من أوتي كتابه بيمينه ، وأما من أوتي كتابه بشماله قالت قريش : زعمت يا محمد أنا نؤتى كتابنا بشمالنا، فعجل لنا قطنا قبل يوم الحساب.

التالي السابق


الخدمات العلمية