صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم.

هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع

هل أتاك يريد: قد أتاك، حديث الغاشية خبر القيامة، وذلك: أنها تغشى الناس بأهوالها وشدائدها.

وجوه يومئذ خاشعة ذليلة بالعذاب، قال مقاتل : يعني الكفار؛ لأنها تكبرت عن عبادة الله.

عاملة ناصبة قال عطاء ، عن ابن عباس : يعني الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام، من عبدة الأوثان، وكفار أهل الكتاب، مثل الرهبان وغيرهم، لا يقبل الله منهم، إلا ما كان لوجهه خالصا، لا يقبل اجتهادا في بدعة وضلالة، لكنه يقبل رفقا في سنة.

وهذا قول سعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم ، وأبي الضحى ، عن ابن عباس . قالوا: هم الرهبان، وأصحاب الصوامع. والكلام خرج على الوجوه، والمراد بها أصحابها، ومعنى النصب: الدأب في العمل بالتعب، والمعنى: عاملة في الدنيا، ناصبة في الآخرة؛ لأنها عملت في الدنيا بالمعاصي، فصارت ناصبة في النار يوم القيامة.

أخبرنا الحسين بن علي بن محمد المسيبي ، أنا محمد بن عبد الله بن حمدويه ، نا محمد بن يعقوب ، نا الخضر بن أبان ، نا سيار بن حاتم ، نا جعفر بن سليمان ، قال: سمعت أبا عمران الجوني ، يقول: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب فناداه: يا راهب يا راهب، فأشرف عليه، فجعل عمر ينظر [ ص: 474 ] إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول الله تعالى في كتابه: عاملة ناصبة تصلى نارا حامية فذلك الذي أبكاني ثم ذكر نصبها، فقال: تصلى نارا حامية قال ابن عباس : قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله . وقرأ أبو عمرو بضم التاء، من أصليته النار.

تسقى من عين آنية متناهية في الحرارة، قال الحسن : قد أوقدت عليها جهنم منذ خلقت، فدفعوا إليها وردا عطاشا. وقال المفسرون: لو وقعت منها نقطة على جبال الدنيا لذابت. هذا شرابهم.

ثم ذكر طعامهم، فقال: ليس لهم طعام إلا من ضريع وهو نوع من الشوك، يقال له: الشبرق. وأهل الحجاز يسمونه الضريع، إذا يبس أخبث طعام وأبشعه، لا ترعاه دابة، قال أبو الجوزاء : هو السلاء.

أخبرني عبد الرحمن بن الحسن بن علي الحافظ إجازة، أنا عمر بن أحمد الواعظ ، نا عبد الله بن سليمان ، نا محمد بن عامر الأصبهاني ، عن أبيه، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك، أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار سماه الله عز وجل الضريع" قال أبو الدرداء ، والحسن : إن الله عز وجل يرسل على أهل النار الجوع، حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع، ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء، فيستسقون فيعطشهم ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة، ولا مريئة، فكلما أدنوه من وجوههم، سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطعها ، فذلك قوله تعالى: وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم [ ص: 475 ] ، ولما نزلت هذه الآية، قال المشركون: إن إبلنا لتسمن على الضريع، وكذبوا في ذلك، فإن الإبل لا ترعاه، فقال الله تعالى تكذيبا لهم: لا يسمن ولا يغني من جوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية