صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم.

لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين

لا أقسم بهذا البلد أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة و لا أقسم بمعنى: أقسم، وقد تقدم بيانه، والإشارة بهذا إلى مكة والسورة نازلة بها.

وأنت حل بهذا البلد الحل، والحلال، والمحل واحد، وهو ضد المحرم، أحل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح حتى قاتل وقتل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار" ، والمعنى: أن الله تعالى لما ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها مع كونها حراما، فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله تعالى بأن يحلها له حتى يكون بها حلا.

ثم عطف على القسم بقوله: ووالد وما ولد يعني: آدم وذريته.

لقد خلقنا الإنسان في كبد قال ابن عباس ، في رواية مقسم : قائما على قدميه منتصبا، وكل شيء خلق مكبا إلا الإنسان، فإنه خلق منتصبا. والكبد: الاستواء والاستقامة، وقال في رواية الوالبي : في نصب، وهو قول مجاهد ، وسعيد بن جبير ، [ ص: 489 ] والحسن .

قالوا: في شدة، والكبد على هذا القول: من مكابدة الأمر، وهو معاناة شدته ومشقته، والرجل يكابد الليل إذا قاسى هوله، وصعوبته.

أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، أنا أبو عمرو بن مطر ، نا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب ، نا علي بن الجعد ، نا علي بن علي الرفاعي ، عن الحسن في قوله: لقد خلقنا الإنسان في كبد قال: لا أعلم خليقة تكابد من الأمر ما يكابد هذا الإنسان. قال: وقال سعيد : أجده يكابد مضائق الدنيا، وشدائد الآخرة.

أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد القرشي ، أنا عبد الله بن زيدان البجلي ، أنا إسماعيل بن بهرام ، أنا الحسن بن محمد بن عثمان ، عن سفيان الثوري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس هما المؤمن يهتم بأمر دنياه وآخرته" .

وقال الحسن : ابن آدم لا يزال يكابد أمرا حتى يفارق الدنيا.

قوله: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد قال الكلبي : يعني أبا الأشدين ، وهو رجل من جمح وكان قويا شديد الخلق. يقول الله تعالى: أيظن من شدته أن لن يقدر عليه الله، وأن لا يعاقبه؟.

ثم أخبر عن مقالة هذا الإنسان، فقال: يقول أهلكت مالا لبدا وهو المال الكثير بعضه على بعض، قال الليث : مال لبد لا يخاف فناؤه من كثرته. وقال الكلبي ، ومقاتل : يقول أهلكت في عداوة محمد مالا كثيرا.

قال الله تعالى: أيحسب أن لم [ ص: 490 ] يره أحد قال قتادة : أيظن أن لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين كسبه، وأين أنفقه؟ وقال الكلبي : كان كاذبا لم ينفق ما قال، فقال الله عز وجل: أيظن أن لم ير ذلك منه فعل أو لم يفعل، أنفق أو لم ينفق؟

ثم ذكره النعم ليعتبر، فقال: ألم نجعل له عينين قال الزجاج : ألم نفعل به ما يدله على أن الله قادر على أن يبعثه ؟ ولسانا وشفتين قال قتادة : نعم الله متظاهرة، يقررك بها كيما تشكره.

وروى عبد الحميد المدني ، عن أبي حازم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله تعالى، يقول: "ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق" .

قوله: وهديناه النجدين النجد: الطريق في ارتفاع، قال ابن عباس ، والمفسرون: بينا له طريق الخير وطريق الشر. وقال الزجاج : المعنى: ألم نعرفه طريق الخير وطريق الشر، بتبيين كتبيين الطريقين العاليين؟!.

أخبرنا أبو بكر الحارثي ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، نا أبو يحيى الرازي ، نا سهل بن عثمان ، نا يحيى بن أبي زائدة ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجدين، فقال: "هما النجدان نجد الخير ونجد الشر" .

التالي السابق


الخدمات العلمية