صفحة جزء
ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

قوله تعالى: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه الآية، قال المفسرون: أخبرنا الله تعالى في هذه الآية عن اختلاف أحوال أهل الكتاب في الأمانة والخيانة، ليكون المؤمنون على بصيرة في ترك الركون إليهم، لاستحلالهم أموال المسلمين.

وقال ابن عباس في رواية الضحاك: أودع رجل عند عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداه إليه، فمدحه الله تعالى، وأودع رجل فنحاص بن عازوراء دينارا فخانه، وذلك قوله: من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك يعني عبد الله بن سلام، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك يعني فنحاص.

وقوله: إلا ما دمت عليه قائما أي: بالإلحاح والخصومة في التقاضي والمطالبة، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد.

قال القتيبي: وأصله أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرف، والتارك له يقعد عنه، ثم قيل لكل من واظب على مطالبة أمر: قام به.

وإن لم يكن ثم قيام.

[ ص: 452 ] وقال السدي: يعني: إلا ما دمت قائما على رأسه بالاجتماع معه والملازمة والمطالبة له، فإن أنظرته وأخرته أنكر وذهب به.

وقوله: ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل أي: ذلك الاستحلال والخيانة بأنهم يقولون: ليس عندنا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل.

لأنهم مشركون.

والمراد بـ "الأميين" هاهنا: العرب.

ثم كذبهم الله تعالى فيما قالوا، فقال الله تعالى: ويقولون على الله الكذب لأنه ليس في كتابهم استحلال الأمانة، وهم يعلمون أنهم كاذبون، يعني: لم يقولوا ذلك عن جهالة فيعذروا.

قوله: بلى رد لقولهم: ليس علينا في الأميين سبيل أي: بلى يكون عليهم سبيل في ذلك.

وقوله: من أوفى بعهده أي: بما عاهد الله إليه في التوراة، وآمن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة، واتقى الكفر والخيانة ونقض العهد، فإن الله يحب المتقين يعني: من كانت هذه صفته.

قوله عز وجل: إن الذين يشترون بعهد الله الآية، نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ضيعة، فهم المدعى عليه أن يحلف فنزلت الآية، فنكل المدعى عليه عن اليمين، وآثر للمدعي حقه.

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدثنا محمد بن حماد الأبيوردي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين، وهو فيها فاجر، ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" فقال الأشعث: في والله ذاك، وكان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألك بينة؟" قلت: لا، فقال لليهودي: احلف، فقلت يا رسول الله: إذن يحلف فيذهب [ ص: 453 ] بمالي، فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية رواه البخاري عن عبدان عن أبي حمزة، ورواه مسلم عن ابن نمير أبي معاوية، كلاهما عن الأعمش.

ومعنى يشترون: يستبدلون ويأخذون، (بعهد الله ) أي: بما عهد الله إليهم من أداء الأمانة، (وأيمانهم ) الكاذبة، ثمنا قليلا عرضا يسيرا من الدنيا، وهو ما يحلفون عليه كاذبين، أولئك لا خلاق لهم لا نصيب لهم من الخير، في الآخرة ولا يكلمهم الله أي: بكلام يسرهم، ولا ينظر إليهم نظرا يسرهم، يعني نظر الرحمة، ولا يزكيهم لا يزيدهم خيرا، ولا يثني عليهم.

أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن جامع بن أبي راشد أنه سمع شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان" قال [ ص: 454 ] عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية.

أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا محمد بن بشر بن العباس البصري، أخبرنا محمد بن إدريس السامي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله بن كعب، عن أبي أمامة قال: كنا عند رسول الله، فقال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب له النار، وحرم عليه الجنة" ، فقال رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: "وإن كان قضيبا من أراك" ، قال حفص بن ميسرة: ما أشد هذا الحديث، فقال: أليس في كتاب الله: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا رواه مسلم، عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء [ ص: 455 ] .

أخبرنا أبو سعيد النضروي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم، حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، عن ابن زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا يا رسول الله، من هم؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".

رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة

التالي السابق


الخدمات العلمية