صفحة جزء
وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر [ ص: 395 ] عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين

وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا مالا تعطينا إن كنا نحن الغالبين لموسى، قال نعم أجابهم فرعون إلى ما سألوا من المال على الغلبة، كأنه قال: نعم لكم ذلك.

وإنكم لمن المقربين عندي في المنزلة.

قال الزجاج: أي: ولكم مع الأجر المنزلة الرفيعة عندي، فقالت السحرة لموسى: إما أن تلقي عصاك، وإما أن نكون نحن الملقين ما معنا من الحبال والعصي، قال لهم موسى: ألقوا ما أنتم ملقون، فلما ألقوا سحروا أعين الناس قلبوها عن صحة إدراكها بما موهوا من تلطف الحيلة، حتى رأوا الحبال حيات، واسترهبوهم قال المبرد: أرهبوهم والسين زائدة.

وقال المؤرج: أفزعوهم.

وقال الزجاج: استدعوا رهبة الناس.

وجاءوا بسحر عظيم وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا، فإذا هي حيات قد ملأت الوادي، يركب بعضها بعضا، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف: تبتلع وتلقم، وقرأ حفص تلقف مخففا، يقال: لقفت الشيء ألقفه لقفا.

إذا أخذته فأكلته وابتلعته، ومثله: تلقفته والتقفته.

قال المفسرون: لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، وهو قوله: ما يأفكون يأتون بالإفك وهو الكذب، وذلك أنهم زعموا أن حبالهم حيات وكذبوا في ذلك، إنما كانوا جعلوا فيها الزئبق وصوروها بصور الحيات فاضطرب الزئبق; لأنه لا يستقر، قوله فوقع الحق قال الحسن، ومجاهد: ظهر.

وقال الفراء: فتبين الحق من السحر.

وذلك أن السحرة قالوا: لو كان ما صنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ولم تفقد، فلما فقدت علموا أن ذلك من أمر الله تعالى، فذلك قوله: وبطل ما كانوا يعملون أي: زال وذهب بأن فقد ما عملوا به السحر من الحبال والعصي، فغلبوا هنالك أي: غلب فرعون وقومه عند ذلك الجمع، وانقلبوا، وانصرفوا من ذلك الموضع صاغرين ذليلين، وألقي السحرة ساجدين قال ابن عباس: خروا لله سامعين مطيعين.

قالوا آمنا برب العالمين قال فرعون: إياي تعنون؟ قالوا: لا، رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم أصدقتم موسى من قبل أمري إياكم؟ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة قال الكلبي:

[ ص: 396 ] لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر، قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر، لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون عاقبة ما صنعتم، لأقطعن أيديكم الأيمان، وأرجلكم اليسرى، وهو قوله: من خلاف يعني من كل شق طرفا، ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا: إنا إلى ربنا منقلبون قال ابن عباس: راجعون إلى ربنا بالتوحيد والإخلاص.

وما تنقم منا وما تكره منا شيئا ولا تطعن علينا، قال ابن عباس: ما لنا عندك من ذنب، ولا ركبنا منك مكروها تعذبنا عليه، إلا إيماننا بآيات ربنا.

يعني: ما أتى به موسى آمنوا بها أنها من عند الله، لا يقدر على مثلها إلا الله، ربنا أفرغ علينا صبرا قال مجاهد: اصبر علينا الصبر عند الصلب والقطع حتى لا نرجع كفارا، وتوفنا مسلمين مخلصين على دين موسى.

التالي السابق


الخدمات العلمية