وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول [ ص: 405 ] المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون
قوله:
وواعدنا موسى ثلاثين ليلة تقدير الآية: واعدناه انقضاء ثلاثين ليلة يترقب بعدها المناجاة، قال المفسرون: كان تلك الثلاثين ذو القعدة أمره الله أن يصوم فيها ليكلمه.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: صامهن ليلهن ونهارهن فلما انسلخ الشهر، كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول شيئا من نبات الأرض فمضغه، فأوحى الله إليه لا كلمتك، حتى يعود فوك على ما كان عليه، أما علمت أن رائحة فم الصائم أحب إلي من ريح المسك، وأمره بصيام من ذي الحجة، فذلك قوله:
وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة أي: تم الوقت الذي قدره الله لصوم
موسى أربعين،
وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي لما أراد
موسى الانطلاق إلى الجبل للمناجاة استخلف أخاه هارون على قومه، فقال له: أصلح.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: يريد: الرفق بهم والإحسان إليهم.
ومعناه: أصلح أمرهم،
ولا تتبع سبيل المفسدين أي: لا تطع من عصى الله ولا توافقه على أمره.
ولما جاء موسى لميقاتنا أي: في الوقت الذي وقتنا له، وكلمه ربه: خصه الله بأن أسمعه كلامه من غير أن يكون بينهما أحد، قال المفسرون: لما أراد الله أن يكلم
موسى أهبط إلى الأرض ظلمة سبع فراسخ.
فلما دنا
موسى من الظلمة طرد عنه شيطانه، وطرد هوام الأرض ونحى عنه ملكا، ثم كلمه الله وكشطت له السماء، فرأى الملائكة قياما في الهواء، ورأى العرش بارزا، وكان بعد ذلك لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشي وجهه من النور، ولم يزل على وجهه برقع حتى مات، وقالت له امرأته: أنا أيم منك مذ كلمك ربك.
فكشف لها عن وجهه
[ ص: 406 ] فأخذها مثل شعاع الشمس، فوضعت يدها في وجهه، وخرت لله ساجدة، وقالت: ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة.
قال
موسى: لك ذلك إن لم تتزوجي بعد فإن المرأة لآخر أزواجها.
أخبرنا
أبو بكر الحارثي، نا
أبو الشيخ الحافظ، نا
عبد الرحمن بن داود بن منصور، نا
nindex.php?page=showalam&ids=16547عثمان بن خرزاذ، نا
الحسين بن حماد، نا
nindex.php?page=showalam&ids=21182عمرو بن هاشم، عن
جويبر، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=941545إن الله عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام وصايا كلها، فكان فيما ناجاه أن قال له: يا موسى لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ولم يتقرب المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم، ولم يتعبد المتعبدون بمثل البكاء من خيفتي، قال موسى: يا إله البرية كلها ماذا أعددت لهم، قال: أما الزاهدون في الدنيا فأبيحهم جنتي حتى يتبوءوا فيها حيث شاءوا، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته الحساب.
وأما البكاءون من خيفتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه".
وقوله:
قال رب أرني أنظر إليك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: المعنى: أرني نفسك أنظر إليك أني قد سمعت كلامك، فإني أحب أن أراك.
ولو كانت الرؤية لا تصح في وصف الله، ما سأل
موسى ذلك لأنه كان أعلم بالله من أن يسأل ما يستحيل في وصفه، وفي قوله: لن تراني دليل على جواز الرؤية لأنه لو كان مستحيل الرؤية لقال: لا أرى.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء: لن تراني في الدنيا.
قال مقاتل: لما قال
موسى: أرني أنظر إليك قال له ربه: لن تراني، ولكن اجعل بيني وبينك ما هو أقوى منك، وهو الجبل،
فإن استقر مكانه أي: سكن وثبت فسوف تراني، وإن لم يستقر مكانه فإنك لا تطيق رؤيتي،
فلما تجلى ربه أي: ظهر وبان للجبل قال الكلبي: هو أعظم جبل بمدين يقال له: زبير،
جعله دكا أي: مدقوقا، يقال: دككت الشيء أدكه دكا إذا دققته.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش: كأنه قال: دكه دكا.
ومن قرأ: دكاء، فمعناه: جعله مثل
[ ص: 407 ] دكاء، فحذف المضاف، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، وقال المبرد: جعله أرضا دكاء، وهي الأرض التي لا تبلغ أن تكون تلا، قال المفسرون: ساخ الجبل في الأرض، فهو يذهب حتى الآن.
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=11982أبو حسان المزكي، أن
أبو علي محمد بن أحمد بن بالويه، نا
محمد بن صالح الصيمري، نا
النضر بن مسلمة، نا
محمد بن الحسن بن زبالة، عن
معاوية الضال، عن
الخالد بن أيوب، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503020لما تجلى ربه للجبل جعله دكا صار لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى، ووقع ثلاثة بمكة: ثور، وثبير، وحراء".
وقوله:
وخر موسى صعقا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، وابن زيد: مغشيا عليه.
فلما أفاق: من غشيته قال سبحانك: تنزيها لك عن
[ ص: 408 ] السوء، تبت إليك: من مسألتي الرؤية، وذلك أنه سألها من غير استئذان من الله، فلذلك تاب،
وأنا أول المؤمنين قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي: أول قومي إيمانا.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية: أول من آمن أنه لا يراك أحد قبل يوم القيامة.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: أي: أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا.
قال:
يا موسى إني اصطفيتك على الناس أي: اتخذتك صفوة برسالاتي وبكلامي يعني: تخصيصه بكلامه من غير واسطة وذلك أن من أخذ العلم عن العالم المعظم كان أجل رتبة ممن أخذه عن واحد أخذه عنه كما تقول في الأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن أقربها إليه أعزها وأجلها.
وقوله:
فخذ ما آتيتك قال ابن عباس: ما فضلتك به وكرمتك،
وكن من الشاكرين لأنعمي والطائعين لي.
قوله:
وكتبنا له في الألواح قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: يريد ألواح التوراة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، وكان طول اللوح اثنى عشر [ ص: 409 ] ذراعا" .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي: كانت من زبرجدة خضراء.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل: وكتبنا له في الألواح كنقش الخاتم.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج: كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور.
وقوله:
من كل شيء قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: مما أمروا به ونهوا عنه.
وهذا معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: مما افترض، وأحل وحرم، ونهى وأمر.
موعظة نهيا عن الجهل،
وتفصيلا لكل شيء هداية إلى كل أمر هو لله رضا، فخذها بقوة قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: بجد، والمعنى: بصحة وعزيمة.
لأنه لو أخذها بضعف نية لأداه إلى فتور العمل به، وقوله:
وأمر قومك يأخذوا بأحسنها قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: يحلوا حلالها، ويحرموا حرامها، ويتدبروا أمثالها، ويعملوا بمحكمها، ويقفوا عند متشابهها.
وقال قطرب: يأخذوا بأحسنها أي: بحسنها وكلها حسن.
وقال أهل المعاني: أحسنها الفرائض والنوافل وهي ما يستحق عليها الثواب، وأدونها في الحسن المباح لأنه لا يستحق عليه حمد ولا ثواب.
سأريكم دار الفاسقين قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد: هي جهنم.
أي: فلتكن منكم على ذكر لتحذروا أن
[ ص: 410 ] تكونوا منهم، وهذا تهديد لمن خالف أمر الله، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: سأدخلكم
الشام فأريكم منازل القرون الماضية الذي خالفوا أمر الله، لتعتبروا به.
قوله:
سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: يريد: الذين يتجبرون على عبادي، ويحاربون أوليائي حتى لا يؤمنوا بما جئت به.
وشرحه ابن الأنباري، والزجاج، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: المعنى: سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها لعنادهم الحق، وعوقبوا بحرمان الهداية، وهذا كقوله:
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وقال الزجاج: أي: أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.
قال: ومعنى يتكبرون أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج: الآيات خلق السماوات والأرض.
يعني: أصرفهم عن الاعتبار بما فيها،
وإن يروا سبيل الرشد يعني: الهدى والبيان الذي جاء من الله،
لا يتخذوه سبيلا دينا،
وإن يروا سبيل الغي طاعة الشيطان وضلالته، يتخذوه سبيلا دينا ذلك بأنهم: قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: فعل الله ذلك بأنهم.
كذبوا بآياتنا: جحدوا الإيمان بها، وكانوا عنها أي: عن النظر فيها والتدبر لها
غافلين .
قوله:
والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة يعني: ولقاء الدار الآخرة التي هي موعد الثواب والعقاب، حبطت أعمالهم: صارت كأنها لم تكن، وقوله:
هل يجزون إلا ما كانوا يعملون هذا استفهام تقرير يعني: أنهم لا يجزون إلا بما يستحقون من العقاب، وهو قوله:
إلا ما كانوا يعملون أي: إلا بما كانوا، أو على ما كانوا يعملون.