صفحة جزء
[ ص: 460 ] واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور

قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء أي: أخذتموه من أموال المشركين قسرا، فأن لله خمسه هذا افتتاح كلام لأن الأشياء كلها لله، وقوله: وللرسول كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس من الغنيمة يصنع فيها ما شاء، وأما اليوم فإنه يصرف إلى مصالح المسلمين والأهم السلاح والكراع، وقوله: ولذي القربى هم: بنو هاشم وبنو المطلب خاصة دون سائر قريش، يقسم بينهم خمس الخمس حيث كانوا: للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهم الذين حرمت عليهم الصدقة المفروضة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى أغناكم عن أوساخ الناس بهذا الخمس " .

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا مطرف بن [ ص: 461 ] مازن، عن معمر بن راشد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، أتيناه أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما قرباتهم وقرباتنا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا، وشبك بين أصابعه " قوله: واليتامى هم أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم، والمساكين قال ابن عباس: يريد: المحتاجين وهم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين.

وابن السبيل المنقطع في سفره فلا يترك صنف من هذه الأصناف بغير حظ في قسمة الخمس، ويجوز تفضيل بعضهم على بعض بمقدار الحاجة، هذا الذي ذكرناه كيفية قسمة الخمس من الغنيمة وهي المذكورة في القرآن، والباقي في أربعة أخماس، وهي للغانمين الذين باشروا القتال: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم عند الشافعي، وعند أبي حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم.

أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي، أنا أبو عمرو بن مطر، نا إبراهيم بن علي الذهلي، نا يحيى بن يحيى، أنا [ ص: 462 ] خالد بن عبد الله بن خالد، عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بلقين، عن ابن عم له، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، قلت: ما تقول في هذا المال؟ قال: " لله خمسه وأربعة أخماسه لهؤلاء يعني المسلمين، قلت: فهل أحد أحق به من أحد؟ قال: لا ولو انتزعت سهما من جنبك لم تكن به أحق من أخيك المسلم".

وقوله: إن كنتم آمنتم بالله قال الزجاج: المعنى: اعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول يأمر أن فيه ما يريد، إن كنتم آمنتم بالله ، أي: فاقبلوا ما أمرتم في الغنيمة إن كنتم آمنتم بالله يعني قوله: يسألونك عن الأنفال ؛ لأن هذا نزل عليه يوم بدر حين اختلفوا في الغنائم، وإذا آمنوا بهذا صدروا في أمر الغنيمة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صدروا عن أمره عملوا فيها بموجب هذه الآية.

وقوله: يوم الفرقان قال الوالبي عن ابن عباس: يعني: يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل، وهو: يوم التقى الجمعان حزب الله وحزب الشيطان.

أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، نا أحمد بن الحسين الجنيد، نا زياد بن أيوب، نا هشيم، نا إسماعيل بن سالم، سمعت الشعبي، يقول: ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان.

وقوله: والله على كل شيء قدير قال ابن عباس: قدير على نصركم وأنتم أقلة أذلة.

وقوله: إذ أنتم بالعدوة الدنيا قال ابن السكيت: عدوة الوادي، وعدوته جانبه، والجمع عدى وعدى ، والدنيا تأنيث الأدنى، وضدها [ ص: 463 ] القصوى وهي تأنيث الأقصى، وما كان من النعوت على فعلي من بنات الواو فإن العرب تحوله إلى الياء، نحو الدنيا من دنوت، والعليا من علوت لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف إلا أن أهل الحجاز قالوا: القصوى فأظهروا الواو، وهو نادر وغيرهم يقولون القصيا، قال المفسرون: إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأدنى في المدينة، وعدوكم نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة، وكان الجمعان قد نزلا الوادي الذي ببدر على هذه الصفة.

والركب جمع راكب يعني: العير، أبا سفيان وأصحابه، أسفل منكم في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر، ولو تواعدتم للقتال، لاختلفتم في الميعاد لكثرتهم وقلتكم، ولكن جمعكم الله من غير ميعاد، ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي: في علمه وحكمه، وهو أنه أراد أن يعز الإسلام وأهله ويذل الشرك وأهله.

ليهلك من هلك عن بينة أكثر أهل العلم على أن المراد بالهلاك هاهنا الكفر والضلال، وبالحياة الاهتداء والدين، والمعنى: ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه فقطعت عذره، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، وهو قوله: ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع لدعائكم، عليم بنياتكم.

قوله: إذ يريكهم الله في منامك قليلا أي: في عينك التي هي موضع النوم، قال ابن عباس: إذ يريكهم الله في منامك قليلا أي: لتحتكرهم وتجترئ عليهم، ولو أراكهم كثيرا لفشلتم لجبنتم وتأخرتم عن حربهم، ولتنازعتم في الأمر اختلفتم فيما بينكم ولكن الله سلم سلمكم من المخالفة والفشل، إنه عليم بذات الصدور قال ابن عباس: علم ما في صدوركم من الحب لله.

وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا قال مقاتل: لما التقوا قلل الله المشركين في أعين المسلمين.

قال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا ببدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، وأسرنا رجلا، فقلنا: كم أنتم؟ قال: ألف.

وقوله: ويقللكم في أعينهم قال ابن عباس: ليجترئوا عليكم بالقتال ولا تنهزموا.

وقال الكلبي: استقل المؤمنون المشركين ليجترئ بعضهم على بعض.

ليقضي الله أمرا كان مفعولا من نصر المسلمين على المشركين، وإلى الله ترجع الأمور قال ابن عباس: وبعد هذا مصيركم إلي، فأكرم أوليائي وأعاقب أعدائي.

التالي السابق


الخدمات العلمية