صفحة جزء
أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون

[ ص: 568 ] قوله: أفمن كان على بينة من ربه يعني النبي صلى الله عليه وسلم في قول عامة المفسرين، قال ابن عباس: يريد على يقين وبيان.

ويتلوه شاهد منه وهو جبريل عليه السلام في قول أكثر المفسرين، قال ابن قتيبة: والشاهد من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كتاب موسى.

يعني: التوراة، يتلوه أيضا في التصديق لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر به موسى في التوراة إماما نصب على الحال ورحمة أي: ذا رحمة يعني التوراة فإنها كانت إماما في ذلك الوقت وسبب الرحمة لمن آمن بها، وقوله: أولئك يؤمنون به يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن صدقه، وقوله: ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده يعني: ومن كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من أصناف الكفار واليهود والنصارى وغيرهم.

أخبرنا منصور بن محمد بن عبد الوهاب البزاز، أنا محمد بن أحمد أبو عمرو الحيري، أنا عمران بن موسى بن مجاشع، نا أبو كامل، نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار " قال: فقلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا إلا وهو في الكتاب فوجدته ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده وقوله: فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك قال الكلبي، عن ابن عباس: فلا تك في مرية من أن موعد الكافر النار وذلك هو الحق من ربك.

ولكن أكثر الناس لا يؤمنون يعني: أهل مكة، وقوله: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا فزعم أن له ولدا وشريكا أولئك يعرضون على ربهم يعني: بعد الحشر يوم القيامة ويقول الأشهاد قال ابن عباس، ومجاهد: هم الملائكة والأنبياء.

وقال قتادة: يعني: الخلائق.

ونحو هذا قول مقاتل.

الأشهاد: الناس كما يقال على رءوس الأشهاد، أي: رءوس الناس، والأشهاد جمع شاهد مثل ناصر وأنصار، وصاحب وأصحاب، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف، وقوله: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم قال ابن عباس: زعموا أن لله ولدا وشريكا.

ألا لعنة الله على الظالمين قال: يريد المشركين.

[ ص: 569 ] .

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، أنا محمد بن العباس بن أيوب، نا محمد بن المثنى، نا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن عند ابن عمر ونحن نطوف بالبيت إذ عارضه رجل فقال له: يا ابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدني المؤمن من ربه تبارك وتعالى يوم القيامة حتى يضع كتفه عليه ثم يقرره بذنوبه هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، فيسأله الله ما شاء أن يسأله، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى صحيفة حسناته بيمينه، وأما الكافر أو الكفار فينادى على رءوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين".

رواه البخاري، عن مسدد، عن يزيد بن زريع، عن سويد، ورواه مسلم، عن زهير، عن ابن عطية، عن هشام، كلاهما عن قتادة قوله: الذين يصدون عن سبيل الله تقدم تفسيره.

أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض قال ابن عباس: لم يعجزوني أن آمر الأرض فتخسف بهم.

وما كان لهم من دون الله من أولياء أي: لا ولي لهم ممن يعبدون يمنعهم مني يضاعف لهم العذاب قال ابن الأنباري: لإضلالهم الأتباع واقتداء غيرهم بهم.

ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون قال قتادة: لأنهم صم عن الحق عمي فلا يبصرون ولا يهتدون.

وقال الوالبي، عن ابن عباس: حال الله بين أهل الكفر وبين أهل الطاعة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا ففي قوله: ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ، وأما في الآخرة ففي قوله: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون .

قوله: أولئك الذين خسروا أنفسهم قال ابن عباس: أي: صاروا إلى النار.

وضل عنهم ما كانوا يفترون بطل افتراؤهم في الدنيا فلم ينفعهم في الآخرة شيئا، لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون قال ابن عباس: يريد حقا أنهم هم الأخسرون.

قال الفراء: لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد، ولا محالة، فكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا، ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك.

فتراها بمنزلة اليمين؟ كذلك فسرها المفسرون في قوله: لا جرم أنهم حقا أنهم، وقال الزجاج: لا جرم لا: نفي لما ظنوا أنه ينفعهم كأنه قال: لا ينفعهم ذلك.

و جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ، أي: كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وجرم معناه: كسب، ذكرنا ذلك في قوله: لا يجرمنكم قال الأزهري: وهذا من أحسن ما قيل فيه.

وقوله: وأخبتوا إلى ربهم الإخبات: الخشوع والتواضع والطمأنينة، قال مجاهد: اطمأنوا.

قال قتادة: وأنابوا إلى ربهم.

وهذه الآية نازلة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما [ ص: 570 ] قبلها نازلة في المشركين، ثم ضرب مثلا للفريقين، فقال: مثل الفريقين كالأعمى والأصم يريد الكفار، والبصير والسميع يريد المؤمنين لأنهم سمعوا الحق وأبصروه واتبعوه، وقوله: هل يستويان مثلا استفهام، أي: في المشابهة أفلا تذكرون أفلا تتعظون يأهل مكة؟

التالي السابق


الخدمات العلمية