صفحة جزء
وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين

سيارة أي: رفقة تسير في السفر فأرسلوا واردهم وهو الذي يرد الماء ليستقي للقوم فأدلى دلوه أرسلها في البئر فتشبث يوسف بالرشاء فأخرجه الوارد، فقال: يا بشراي يا فرحتي، وقرأ أهل الكوفة: يا بشرى وهذه القراءة كالأولى إلا أنها غير مضافة، وقال السدي: نادى صاحبه وكان اسمه بشرى، فقال: يا بشرى هذا غلام، وذلك أن الوارد، واسمه مالك بن ذعر لما أرسل الدلو في البئر تعلق يوسف بالحبل فأخرجه مالك وهو يظن أنه يستقي الماء، فإذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان، ففرح بذلك فقال: يا بشراي أو: يا بشرى.

قال كعب: كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العين، مستوي الخلق أبيض اللون غليظ الساقين والساعدين والعضدين، خميص البطن، صغير السرة، وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه لا يستطيع أحد وصفه، وكان حسنه كضوء النهار، وكان يشبه آدم يوم خلقه الله ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية، ويقال: إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة، وكانت قد أعطيت سدس الحسن.

وقوله: وأسروه بضاعة أسره الوارد ومن كان معه من التجار الذين كانوا معهم في الرفقة، وقالوا لهم: هو بضاعة دفعها إلينا بعض أهل الماء إلى مصر، وقالوا فيما بينهم: إن قلنا التقطناه شاركونا فيه، وإن قلنا اشتريناه سألونا الشركة، وقوله: والله عليم بما يعملون قال ابن عباس: يريد بيوسف.

وقوله: وشروه قال وهب: كان يهوذا منتدبا ينظر ما يطرأ على يوسف، فلما أخرجوه من البئر أخبر إخوته، فأتوا مالك بن ذعر وقالوا: هذا عبدنا.

وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، فقال مالك بن ذعر: أنا اشتريته منكم.

فباعوه منه، وذلك قوله: وشروه يقال: شريت.

إذا بعت، وإذا اشتريت، وقوله: بثمن بخس قال ابن عباس، وأكثر المفسرين: حرام لأن ثمن الحر حرام، وسمي الحرام بخسا لأنه لا بركة فيه فهو منقوص البركة.

قال الكلبي: باعوه باثنين وعشرين درهما.

وهذا قول مجاهد، وقال الزجاج: أخذ كل واحد من إخوته درهمين.

قال عطاء، عن ابن عباس: بعشرين درهما فأخذ كل [ ص: 605 ] واحد منهم إلا يهوذا فإنه لم يأخذ شيئا.

فذلك قوله: دراهم معدودة أي: قليلة، وذكر العدد عبارة عن القلة وكانوا فيه من الزاهدين والزهد والزهادة: قلة الرغبة في الشيء، يريد: أن إخوة يوسف كانوا من الزاهدين في يوسف لأنهم لم يعرفوا موضعه من الله ولا كرامته عليه، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم كانوا زاهدين في ذلك الثمن إما لرداءته، وإما لأن قصدهم كان تبعيد يوسف لا الثمن، ثم انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف وتبعهم إخوته يقولون لهم: استوثقوا منه فإنه آبق سارق كاذب وقد برئنا إليكم من عيوبه، فحمله مالك على ناقة وصار به نحو مصر، وكان طريقهم على قبر أمه، فلما بلغ قبر أمه أسقط نفسه من الناقة على القبر وهو يبكي ويقول: يا أمي ارفعي رأسك من الثرى وانظري إلى ولدك يوسف وما لقي بعدك من البلاء، يا أماه لو رأيت ضعفي وذلي لرحمتيني، يا أماه لو رأيتيني وقد نزعوا قميصي وشدوني وفي الجب ألقوني، وعلى خد وجهي لطموني، وبالحجارة رجموني.

وفقده مالك فصاح في القافلة: ألا إن الغلام قد رجع إلى أهله.

فطلبه القوم فرأوه، فأقبل إليه رجل منهم وقال: يا غلام قد أخبرنا مواليك أنك آبق سارق فلم نصدق حتى رأيناك تفعل ذلك.

فقال: والله ما أبقت ولكنكم مررتم على قبر أمي فلم أتمالك أن رميت بنفسي على قبرها.

قال: فرفع يديه ولطم وجهه وجره حتى حمله على ناقته، وذهبوا به حتى قدموا مصر فأمره مالك بن ذعر حتى اغتسل، ولبس ثوبا حسنا، وعرضه على البيع فاشتراه قطفير بن روحيب وهو العزيز بمصر، وكان على خزائن الملك الأعظم وصاحب أمره.

قال مقاتل بن سليمان: اشتراه بعشرين دينارا وحلة ونعلين.

وقال وهب: ترافع الناس في ثمنه وتزايدوا حتى بلغ ثمنه وزنه مسكا وورقا وحريرا، فابتاعه قطفير بهذا الثمن فلما اشتراه وأتى به منزله قال لامرأته واسمها راعيل: أكرمي مثواه.

التالي السابق


الخدمات العلمية