صفحة جزء
قال يعقوب: [ ص: 622 ] وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون

يا بني لا تدخلوا يعني مصر من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وإنما قال ذلك حذرا من العين عليهم إذ كانت العين حقا، وكانوا أولي جمال وكمال وأبناء رجل واحد يجتمعون في الحسن والظاهرة والقامات الممتدة، ثم قال: وما أغني عنكم من الله من شيء يعني: أن الله إن شاء أهلكهم متفرقين، والمعنى: لن أدفع عنكم شيئا قضاه الله إن الحكم إلا لله ما الحكم فيما يقضي ويريد إلا لله، ثم ذكر أنه متوكل عليه بباقي الآية.

ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم كان لمصر أربعة أبواب، فدخلوا من أبوابها كلها كما أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء قال ابن عباس: ما كان ذلك ليرد قضاء قضاه الله تعالى.

يعني: أن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم مجتمعين، وهذا تصديق ليعقوب في قوله: وما أغني عنكم من الله من شيء ، قوله: إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها يعني: أن ذلك الدخول من الأبواب المتفرقة قضى حاجة في نفس يعقوب وهي إرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم وخوفا من العين وإنه لذو علم وإن يعقوب لذو يقين ومعرفة بالله لما علمناه من أجل تعليمنا إياه، مدحه الله بالعلم لقوله: وما أغني عنكم من الله من شيء علم أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن المقدور كائن ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال ابن عباس: لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه، ولما أقدموا أخاهم عليه، قالوا له: قد امتثلنا أمرك، وأقدمنا عليك أخانا الذي أحببت حضوره، فأمر صاحب ضيافته أن ينزل كل اثنين منهم في منزل، فبقي أخوه منفردا، فأنزله معه فذلك قوله ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال الحسن، وقتادة: ضمه إليه وأنزله معه.

ولما خلا به قال له: ما اسمك؟ قال: بنيامين، قال: ما اسم أمك؟ قال: راحيل، قال: هل لك أخ من أمك؟ قال: كان لي أخ من أمي هلك قال: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال بنيامين: أيها الملك ومن يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و قال إني أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون لا تحزن ولا تغتم بما عملوا من حسدنا، والحرص على صرف وجه أبينا عنا، وعلى ما أدخلوا عليك من الحزن بما فعلوا بي، فقد جمع الله بيني وبينك وأرجو أن يجمع الله بيننا وبين يعقوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية