صفحة جزء
ثم أكد عليه استقبال القبلة أينما كان بآيتين، وهما: [ ص: 232 ] ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون

قوله: حيث خرجت وإنما كررت الآيتان لأن هذا من مواضيع التأكيد لأجل النسخ الذي نقلوا به من جهة إلى جهة.

ومعنى ومن حيث خرجت أي: للمسافرة والبروز إلى البدو، فول وجهك شطر المسجد الحرام فاستقبل الكعبة أينما كنت، وما بعد هذا مضى تفسيره، إلى قوله: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم قال المفسرون: الناس ها هنا: اليهود، كانوا يحتجون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس، ويقولون: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن! ويقولون: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا!! وهذا كان حجتهم التي كانوا يحتجون بها على المؤمنين على وجه الخصومة والتمويه بها على الجهال، فلما صرفت القبلة إلى الكعبة بطلت هذه الحجة، ثم قال: إلا الذين ظلموا منهم وهم المشركون، فإنهم قالوا: قد تحير محمد في دينه فتوجه إلى قبلتنا، وعلم أنا أهدى سبيلا منه، ويوشك أن يرجع إلى ديننا.

فهؤلاء تبقى لهم الخصومة.

و "الحجة" قد تكون بمعنى الخصومة كقوله: لا حجة بيننا وبينكم ، وقال أبو روق: حجة اليهود أنهم كانوا قد عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث في آخر الزمان قبلته الكعبة، وأنه يحول إليها، فلما رأوا محمدا صلى الله عليه وسلم يصلي إلى [ ص: 233 ] الصخرة احتجوا بذلك، فصرفت قبلته إلى الكعبة لئلا يكون لهم عليه حجة.

إلا الذين ظلموا منهم يريد: إلا الظالمين الذين يكتمون ما عرفوا من الحق، ومن أنه يحول إلى الكعبة .

وقوله: فلا تخشوهم أي: في انصرافكم إلى الكعبة ، وفي تظاهرهم عليكم في المحاجة والمحاربة، واخشوني في تركها ومخالفتها، ولأتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، فتتم لكم الملة الحنيفية.

قال عطاء، عن ابن عباس: ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا: فأنصركم على عدوكم، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم، وأما في الآخرة ففي رحمتي وجنتي، وأزوجكم الحور العين.

ولعلكم تهتدون ولكي تهتدوا بإنعامي عليكم إلى الملة الحنيفية.

التالي السابق


الخدمات العلمية