صفحة جزء
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون

بسم الله الرحمن الرحيم.

(اقترب ) افتعل من القرب، يقال: قرب الشيء واقترب.

للناس يعني: أهل مكة، حسابهم محاسبة الله إياهم على أعمالهم، قال الزجاج: المعنى اقترب للناس وقت حسابهم.

يعني يوم القيامة كما قال: اقتربت الساعة واقتراب حسابهم على أن ما هو آت قريب، وهم في غفلة عما يفعل الله بهم ذلك اليوم، معرضون عن التأهب له بالإيمان بمحمد.

ما يأتيهم من ذكر من ربهم من وعظ بالقرآن على لسان محمد، محدث بالإنزال؛ لأن القرآن أنزل آية بعد آية، وسورة بعد سورة، فالإحداث يعود إلى الإنزال، وقوله: إلا استمعوه وهم يلعبون قال ابن عباس: يستمعون القرآن مستهزئين.

لاهية قلوبهم غافلة عما يراد بهم، وأسروا النجوى تناجوا فيما بينهم، يعني المشركين، ثم بين من هم، فقال: الذين ظلموا أشركوا بالله، والذين في محل رفع على البدل من الضمير في وأسروا قال المبرد: وهذا كقولك في الكلام: إن الذين إلى الدار انطلقوا بنو عبد الله، على البدل مما في انطلقوا.

ثم بين سرهم الذي تناجوا به، فقال: هل هذا إلا بشر مثلكم أي أنه آدمي لحم ودم مثلكم، ليس مثل الملائكة، [ ص: 230 ] أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال السدي: يقولون: إن متابعة محمد متابعة السحر.

والمعنى: أتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر.

قل لهم يا محمد: ربي يعلم القول في السماء والأرض أي: لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض، وقرأ أهل الكوفة قال ربي على معنى قال محمد ربي.

يعلم القول وكذا هو في مصاحفهم، وهو السميع لما تكلموا به، العليم بما قالوا.

قوله: بل قالوا معنى بل هاهنا انتقال إلى خبر آخر عنهم، على أن الأول مفروغ عنه، وليس معنى بل من الله على الترك للأول بإبطال له، والمشركون مما دخلتهم من الحيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لا يدرون ما قصته، فمرة قالوا للقرآن: إنه سحر.

ومرة قالوا: أضغاث أحلام قال قتادة: تخاليط أحلام رآها في النوم.

ومرة قالوا: إنه مفتر، وهو قوله: بل افتراه أي: اختلقه من نفسه، بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون قال ابن عباس: بآية مثل الناقة والعصا.

قال الزجاج: اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال.

فقال الله مجيبا لهم: ما آمنت قبلهم قبل مشركي مكة، من قرية يعني أهلها، أهلكناها وصف للقرية، والمعنى: ما آمنت قرية مهلكة بالآيات المرسلة، أفهم يؤمنون يعني أن الأمم التي أهلكناها بتكذيب الآيات لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟ يعني أن مجيء الآيات لو كان سببا للإيمان من غير إرادة الله لهم ذلك، لكان سببا لإيمان أولئك، فلما أبطل أن يكون سببا لإيمان أولئك، بطل أن يكون سببا لإيمان هؤلاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية