صفحة جزء
ثم ذكر منته عليهم بالقرآن، فقال: لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين

لقد أنزلنا إليكم يا معشر قريش، كتابا فيه ذكركم قال: يريد فيه شرفكم، كقوله: وإنه لذكر لك ولقومك وذلك أنه كتاب عربي بلغة قريش.

وقال الحسن: فيه ذكركم، أي ما تحتاجون إليه من أمر دينكم.

أفلا تعقلون ما فضلتكم به على غيركم، أنزلتكم حرمي، وبعثت فيكم نبيي.

ثم خوفهم فقال: وكم قصمنا القصم: كسر الشيء ودقه.

قال مجاهد، والسدي: أهلكنا.

وقال الكلبي: عذبنا.

من قرية كانت ظالمة أي: كافرة، يعني أهلها، وأنشأنا وأحدثنا وأوجدنا بعد إهلاك أهلها، قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا رأوا عذابنا بحاسة البصر، ويجوز أن يكون المعنى: لما ذاقوا عذابنا، قال المفسرون: هؤلاء كانوا قوما كذبوا نبيهم، وقتلوه، فسلط الله عليهم بخت نصر حتى قتلهم، وسباهم، ونكل فيهم.

وعلى ما قالوا الآية مخصوصة، وإن وردت عامة، وقوله: إذا هم منها يركضون أي: يفرون وينهزمون ويهربون، وأصله من ركض الرجل مركل الدابة برجليه، يقال: ركض الفرس إذ كده بساقيه.

لا تركضوا أي: قيل لهم: لا تركضوا، وذلك أنهم لما أخذتهم السيوف انهزموا مسرعين، فقالت لهم الملائكة بحيث سمعوا النداء: لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم أي: خولتم ونعمتم، وقال ابن قتيبة: إلى نعمكم التي أترفتم.

وقد بينا هذا عند قوله: أمرنا مترفيها ، وقوله: لعلكم تسألون أي: شيئا من دنياكم، والمعنى أن الملائكة استهزأت بهم، [ ص: 232 ] فقالوا لهم: ارجعوا إلى مساكنكم لعلكم تسألون شيئا من دنياكم، فإنكم أهل ثروة ونعمة، يقولون ذلك استهزاء بهم، وهذا قول قتادة في هذه الآية، وهو الصحيح.

فـ قالوا عند ذلك: يا ويلنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا حيث كذبنا رسل ربنا، والمعنى أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب، وقالوا هذا على سبيل الندم حين لم ينفعهم الندم، قال الله تعالى: فما زالت تلك دعواهم ما زالت تلك الكلمة، التي هي قولهم: يا ويلنا، دعاءهم يدعون بها ويرددونها، حتى جعلناهم حصيدا بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل، خامدين يعني ميتين كخمود النار إذا طفئت.

التالي السابق


الخدمات العلمية