صفحة جزء
يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون

قوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا قال ابن عباس، في رواية أبي صالح: نزلت في الذين حرموا على أنفسهم السوائب والوصائل والبحائر.

وقال في رواية عطاء: معنى المؤمنين خاصة.

ومعنى "الحلال": المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه، يقال: حل الشيء يحل حلالا وحلا.

والأصل في "الطيب": هو ما يستلذ به ويستطاب، ويوصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه ؛ لأن النجس تكرهه النفس فلا يستلذ، والحرام أيضا غير مستلذ ؛ لأن المشرع يزجر عنه.

ولما وصف الحلال بالطيب وصف الحرام بأنه خبيث، قال الله تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب ، وأراد بالحلال الطيب: ما أحل الله أكله مما حرمه المشركون على أنفسهم من الزرع والأنعام، وهو قوله عز وجل: وقالوا هذه أنعام وحرث حجر الآية، وقال ابن عباس، في رواية عطاء: يريد: قد غنمتكم مال أعدائكم، وعلى هذا القول عني بالحلال الطيب: الغنيمة.

[ ص: 253 ] وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى: من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا من الوجه الذي يحرم.

وقوله: ولا تتبعوا خطوات الشيطان هي جمع خطوة، وهي ما بين القدمين، يقال: خطوت خطوة.

مثل: حسوت حسوة، والحسوة: اسم ما تحسيت، وما كان اسما من هذا القبيل يجمع بتحريك العين نحو: غرفة وغرفات، وظلمة وظلمات، وثمرة وثمرات، وما كان نعتا جمع بسكون العين، نحو: ضخمة وضخمات، وعبلة وعبلات، و "الخطوة" من الأسماء لا من الصفات فتجمع بتحريك العين.

ومن قرأ بتسكين العين فإنه نوى الضمة، وأسقطها لثقلها وهو يقدر ثباتها ؛ لأن ذلك إنما يجوز في صورة الشعر.

ومعنى ولا تتبعوا خطوات الشيطان لا تتبعوا سبيله، ولا تسلكوا، ولا تقفوا أثره، ولا تأتموا به، ولا تطيعوه فيما يزين لكم من تحريم حلال واستحلال حرام في الشرع.

إنه لكم عدو مبين قد أبان عداوته لكم بإبائه السجود لآدم أبيكم، وهو الذي أخرجه من الجنة.

ثم بين الله تعالى عداوته فقال: إنما يأمركم بالسوء والفحشاء قال عطاء، عن ابن عباس: "السوء": عصيان الله، و "الفحشاء": البخل.

وقال في رواية باذان: السوء من الذنوب: ما لا حد فيه في الدنيا، والفحشاء: ما كان فيه حد.

وقال السدي: أما "السوء" فالمعصية، وأما "الفحشاء" فالزنا.

[ ص: 254 ] وقوله: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون من تحريم الحرث والأنعام، هذا قول ابن عباس، في رواية أبي صالح، وقال في رواية عطاء: يريد المشركين وكفار أهل الكتاب، يعني: في نسبتهم أشياء مما شرعوها إلى الله تعالى، كما ذكر الله عنهما في قوله: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية