صفحة جزء
فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي

[ ص: 483 ] وأما قوله: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن نزلت الآية في أمية بن خلف الجمحي ، وعبد الله بن نفيل ، أتاه يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ويذكره ذلك، فقال له أمية بن خلف: ويحك أليس الله يقول: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ، قال عبد الله بن نفيل: نعم، قال: فما له أغناني وأفقرك ؟ قال: كذلك أراد الله، قال أمية: بل أغناني الله لكرامتي عليه، وأفقرك لهوانك عليه، قال عبد الله بن خطل عند ذلك: لخليق أن يكون الله فعل ذلك، فأنزل الله تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن قال: يقول: كلا ما أغنيت هذا الغنى لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه علي، ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة، ثم قال في سورة أخرى: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا يقول: ليس من شدة إلا بعدها رخاء، ولا رخاء إلا بعده شدة.

ثم انقطع الكلام، ثم ذكر أمية بن خلف الجمحي ، وذكر مساوئه، فقال: كلا ما الأمر كما قال أمية بن خلف بل يعني لكن لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين لأنهم لا يرجون بها الآخرة وتأكلون التراث أكلا لما يعني تأكلون الميراث أكلا شديدا وتحبون المال حبا جما ويجمعون المال جمعا كثيرا، وهي بلغة مالك بن كنانة ، ثم قال: كلا ما يؤمنون بالآخرة وهو وعيد، وأما قوله: إذا دكت الأرض دكا دكا يعني إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة.

ثم قال: وجاء ربك والملك صفا صفا وذلك أنه تنشق السماوات والأرض، فتنزل ملائكة كل سماء، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة، فيجيء الله، تبارك وتعالى، كما قال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك ، وكما قال: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة قياما صفوفا، قال: وجيء يومئذ بجهنم يجاء بها في مسيرة خمس [ ص: 484 ] مائة عام عليها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك، متعلقون بها يحبسونها عن الخلائق، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، فإذا تكلم أحدهم تناثرت من فيه النار من فيه، بيد كل ملك منهم مرزبة، عليها ألفا وسبعون رأسا كأمثال الجبال، وهي أخف في يده من الريش، ولها سبعة رءوس كرءوس الأفاعي، وأعينهم زرق، تنظر إلى الخلائق من شدة الغضب، تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله عز وجل، ويجاء بها حتى تقام على ساق.

ثم قال: يومئذ يتذكر الإنسان يعني أمية بن خلف الجمحي إذا عاين النار والملائكة، ثم قال: وأنى له الذكرى يعني ومن أين له التذكرة في الآخرة ؟ وقد كفر بها في الدنيا، ثم قال يخبر عن حالهم، وما يقولون في الآخرة إذا عاينوا النار، فقال: يقول يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا لآخرتي يقول الله تعالى: فيومئذ لا يعذب عذابه أي لا يعذب كعذاب الله أحد يعني ليس أعظم من الله تعالى، سلطانه على قدر عظمته، وعذابه مثل سلطانه، ثم قال: ولا يوثق وثاقه أحد يعني ولا يوثق كوثاق الله عز وجل.

قوله: يا أيتها النفس المطمئنة يعني المطمئنة بالإيمان ارجعي إلى ربك راضية لعملك مرضية بما أعطاك الله عز وجل من الخير والجزاء فادخلي في عبادي يعني في رحمتي وادخلي من رحمتي في جنتي نظيرها في طس النمل، قول سليمان بن داود، عليهما السلام: وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين نزلت هذه الآية في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة ، وجعلوا وجهه نحو المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير، فحول وجهي نحو قبلتها، فحول الله عز وجل وجهه نحو هذه القبلة من غير أن يحوله أحد، فلم يستطع أن يحوله عنها أحد.

، قال: حدثنا الهذيل ، قال: حدثنا مقاتل بن سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: خلق الله السماء الدنيا من ماء حرج مكفوف، والثانية من حديد، والثالثة من فضة، والرابعة من شبه، والخامسة من ذهب، والسادسة من ياقوتة حمراء، والسابعة من نور عليها ملائكة من نور قيام صفا صفا، فذلك قوله: والصافات صفا ، فهم أهل السماء السابعة.

[ ص: 485 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية