صفحة جزء
سورة الليل

مكية، عددها إحدى وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى

قوله: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى أقسم الله عز وجل بالليل إذا غشى ظلمته ضوء النهار، والنهار إذا تجلى عن ظلمة الليل، فقال: إن سعيكم إن أعمالكم لشتى يا أهل مكة .

قوله: وما خلق الذكر والأنثى يعني آدم وحواء وما هاهنا صلة، فأقسم الله عز وجل بنفسه، وبهؤلاء الآيات، فقال: والذي خلق الذكر والأنثى، نظيرها في والشمس وضحاها .

إن سعيكم لشتى يا أهل مكة ، يقول: أعمالكم مختلفة في الخير والشر ثم قال: فأما من أعطى المال في حق الله عز وجل واتقى ونزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ، رحمة الله عليه، وذلك أنه مر على أبي سفيان، وهو صخر بن حرب ، وإذا هو يعذب بلالا على إسلامه، وقد وضع حجرا على صدره، فهو يعذبه عذابا شديدا فقال له أبو بكر الصديق ، رحمة الله عليه: أتعذب عبدا على معرفة ربه ؟ قال أبو سفيان: أما والله، إنه لم يفسد هذا العبد الأسود غيركم، أنت وصاحبك، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له أبو بكر ، رضي الله عنه: هل لك أن أشتريه منك ؟ قال: نعم.

[ ص: 492 ] قال أبو بكر: والله ما أجد لهذا العبد ثمنا، قال له صخر بن حرب: والله إن حبلا من شعر أحب إلي منه، فقال له الصديق أبو بكر: والله إنه خير من ملء الأرض ذهبا، قال له أبو سفيان: اشتره مني، قال له أبو بكر: قد اشتريت هذا العبد الذي على ديني بعبد مثله على دينك، فرضى أبو سفيان ، فاشترى أبو بكر بلالا ، رضي الله عنه، فأعتقه.

قال أبو سفيان لأبي بكر ، رضي الله عنه: أفسدت مالك ومال أبي قحافة ، قال: أرجو بذلك المغفرة من ربي، قال: متى هذا ؟ قال أبو بكر ، رضي الله عنه: يوم تدخل سقر تعذب، قال: أليس تعدني هذا بعد الموت ؟ قال: نعم، قال: فضحك الكافر واستلقى، وقال: يا عتيق أتعدني البعث بعد الموتى ؟ وتأمرني أن أرفض مالي إلى ذلك اليوم ؟ لقد خسرت واللات والعزى إن مالك قد ضاع، وإنك لا تصيب مثله أبدا، قال له أبو بكر ، رضي الله عنه: والله، لأذكرنك هذا اليوم يا أبا سفيان ، فأنزل الله عز وجل: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى يقول بعدة الله عز وجل أن يخلفه في الآخرة خيرا، إذا أعطى في حق الله عز وجل.

فسنيسره لليسرى يعني نيسره للعودة إلى أن يعطي فسنيسره للخير وأما من بخل واستغنى عن الله تعالى في نفسه وكذب بالحسنى يعني بعدة الله بأن يخلفه خيرا منه فسنيسره للعسرى يقول: نعسر عليه أن يعطي خيرا وما يغني عنه ماله الذي بخل به في الدنيا إذا تردى يعني إذا مات، وتردى في النار، يعني أبا سفيان ، يقول الله تعالى: إن علينا للهدى يعني بيان الهدى وإن لنا للآخرة والأولى يعني الدنيا والآخرة فأنذرتكم يا أهل مكة نارا تلظى يعني تتوقد وتشتعل لا يصلاها يعني النار إلا الأشقى يعني هؤلاء النفر من أهل مكة .

الذي كذب وتولى الذين كذبوا بالقرآن وتولى يعني وأعرض عن الإيمان وسيجنبها يعني النار، يقول: يجنب الله النار الأتقى يعني أبا بكر الصديق الذي يؤتي ماله يتزكى يعني ينصلح وما لأحد عنده من نعمة تجزى وأيضا، وذلك أن أبا بكر ، رضي الله عنه، وأرضاه مر على بلال المؤذن، وسيده أمية بن خلف الجمحي يعذبه على الإسلام، ويقول: لا أدعك حتى تترك دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد.

[ ص: 493 ] فقال أبو بكر ، رحمة الله عليه: أتعذب عبد الله على الإيمان بالله عز وجل ؟ فقال سيده أمية: إما إنه لم يفسده علي إلا أنت وصاحبك، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشتره مني، قال: نعم، قال سيده أمية: بماذا ؟ قال أبو بكر: بعبد مثله على دينك، فرضي، فعمد أبو بكر ، رضي الله عنه، إلى عبد فاشتراه، وقبض أبو بكر بلالا ، رحمة الله عليه، وأعتقه، فقال أمية لأبي بكر ، رضي الله عنه: لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية من ذهب لأعطيتكه، قال أبو بكر ، رضي الله عنه: وأنت لو أبيت إلا أربعين أوقية من ذهب لأعطيتكها.

فكره أبو قحافة عتقه، فقال لأبي بكر: أما علمت أن مولى القوم من أنفسهم، فإذا أعتقت فأعتق من له منظر وقوة، وكان بلال أسود الوجه، فأنزل الله عز وجل في أبي بكر ، رضي الله عنه: وما لأحد عنده من نعمة تجزى يقول: يجزيه بذلك، ولكن إنما يعطي ماله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى الرفيع فوق خلقه ولسوف يرضى هذا العبد يعني أبا بكر ، رضي الله عنه، وإن أبا بكر ، رضي الله عنه، اشترى تسعة نفر يعذبون على الإسلام، منهم بلال المؤذن، وعامر بن فهيرة ، وأخته، وزنيرة، وابنتها، وحارثة بن عمر ، وأم كياس، والنهدية وابنتها، كانت لامرأة من بني عبد الدار تضربها على الإسلام، فأعتقهم أبو بكر الصديق ، عليه السلام.

[ ص: 494 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية