صفحة جزء
ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون

[ ص: 149 ] ورقي إلى الملك أن غلامه الخباز يريد أن يجعل في طعامه سما، ورقي إليه في غلامه الساقي مثل ذلك، فذلك قوله: ودخل معه السجن فتيان ، الخباز ، والساقي ، اسم أحدهما شرهم أقم، وهو الساقي ، واسم الخباز، شرهم أشم ، قال أحدهما إني أراني في المنام كأني أعصر خمرا ، يعني عنبا، قال: كأني دخلت البستان، فإذا فيه أصل كرم، وعليه ثلاثة عناقيد، فكأني أعصرهن وأسقي الملك، وقال الآخر إني أراني ، رأيت في المنام كأني أحمل فوق رأسي خبزا ، ثلاث سلال، وأعلاهن جفنة من خبز، فوق رأسي، مثل قوله: فاضربوا فوق الأعناق ، ومثل قوله: اجتثت من فوق الأرض ، يعني أعلى الأرض، تأكل الطير منه نبئنا بتأويله ، يقول: أخبرنا بتفسير ما رأينا في المنام، إنا نراك من المحسنين ، وكان إحسانه في السجن أنه كان يعود مرضاهم ويداويهم، ويعزي مكروبهم، ورآه متعبدا لربه، فهذا إحسانه.

قال يوسف: ألا أخبركما بأعجب من الرؤيا التي رأيتما، قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ، إلا أخبرتكما بألوانه قبل أن يأتيكما الطعام، فقالوا ليوسف: إنما يعلم هذا الكهنة والسحرة، وأنت لست في هيئة ذلك، فقال يوسف لهما: ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم أولئك الكهنة والسحرة، يعني أهل مصر، لا يؤمنون بالله ، يعني لا يصدقون بتوحيد الله، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . ثم دعاهما إلى الإسلام وهما كافران، فقال: يا صاحبي السجن ، يعني الخباز والساقي، أأرباب متفرقون خير ، أآلهة شتى تعبدون خير، يعني أفضل، أم الله [ ص: 150 ] الواحد القهار لخلقه؛ لأن الآلهة مقهورة، كقوله في النمل: آلله خير أما يشركون من الآلهة.

ثم قال يوسف عليه السلام: ما تعبدون من دونه من الآلهة إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أنها آلهة، ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم ، يعني القضاء، إلا لله في التوحيد، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، يقول: أمر الله أن يوحد، ويعبد وحده، له التوحيد، ذلك الدين القيم ، يعني المستقيم، وغيره من الأديان ليس بمستقيم، ولكن أكثر الناس ، يعني أهل مصر، لا يعلمون بتوحيد ربهم.

يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا ، وهو الساقي، قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتكون على عملك، فتسقي سيدك خمرا، وأما الآخر ، وهو الخباز، فيصلب فتأكل الطير من رأسه ، واسمه شرهم أشم ، قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتصلب، فتأكل الطير من رأسك، فكره الخباز تعبير رؤياه، فقال: ما رأيت شيئا، إنما كنت ألعب، فقال له يوسف: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان [ آية: 41 ]

، رأيتما أو لم تريا، فقد وقع بكما ما عبرت لكما.

وقال يوسف للذي ظن أنه ناج منهما من القتل إضمار، وهو الساقي: اذكرني عند ربك ، يعني سيدك، فإنه يسرني أن يخرجني من السجن، يقول الله: فأنساه الشيطان ذكر ربه ، يعني يوسف دعاء ربه، فلم يدع يوسف ربه الذي في السماء ليخرجه من السجن، واستغاث بعبد مثله، يعني الملك، فأقره الله في السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله عز وجل، فذلك قوله: فلبث في السجن بضع سنين ، يعني خمس سنين حتى رأى الملك الرؤيا، وكان في السجن قبل ذلك سبع سنين، وعوقب ببضع سنين، يعني خمس سنين، فكان في السجن اثنتي عشرة سنة، فذلك قوله: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين . [ ص: 151 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن يوسف ذكر ربه، ولم يستغث بالملك، لم يلبث في السجن بضع سنين، ولخرج من يومه ذاك"، قال: وأتى جبريل يوسف حين استغاث بالملك وترك دعاء ربه، فقال له: إن الله يقول لك: يا ابن يعقوب، من حببك إلى أبيك وأنت أصغرهم؟ قال: أنت يا إلهي، قال: إن الله يقول: من عصمك من الخطيئة وقد هممت بها؟ قال: أنت يا إلهي، قال: فكيف تركتني واستغثت بعبد مثلك؟ فلما سمع يوسف ذكر الخطيئة، قال: يا إلهي، إن كان خلق وجهي عندك من أجل خطيئتي، فأسألك بوجه أبي وجدي أن تغفر لي خطيئتي.

وقال الملك ، وهو الريان بن الوليد ، للملإ من قومه: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع ، أي بقرات، عجاف (و) رأيت وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ، ثم قال: يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ، وهم علماء أهل الأرض، وكان أهل مصر من أمهر الكهنة والعرافين، إن كنتم للرؤيا تعبرون ، ولم يعلموا تأويل رؤياه.

ف قالوا أضغاث أحلام ، يعني أحلام مختلطة كاذبة، ثم علموا أن لها تعبيرا، وأنها ليست من الأحلام المختلطة، فمن ثم قالوا:وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ، وجاءه جبريل، عليه السلام، فأخبره أنه يخرج من السجن غدا، وأن الملك قد رأى رؤيا، فلما نظر يوسف إلى جبريل عليه البياض مكللا باللؤلؤ. قال مقاتل: قال له: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، أي رسل ربي أنت؟ قال: أنا جبريل، قال: ما أتى بك؟ قال: أبشرك بخروجك، قال: ألك علم بيعقوب أبي ما فعل؟ قال: نعم، ذهب بصره من الحزن عليك.

قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ما بلغ من حزنه؟ قال: بلغ حزنه حزن سبعين مثكلة بولدها، قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وألف مثكلة موجعة، قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل رأيت يعقوب؟ قال: نعم، قال: أيها الملك من ضم إليه بعدي؟ قال: أخاك [ ص: 152 ] بنيامين ، قال يوسف: يا ليت السباع تقسمت لحمي ولم يلق يعقوب في سبيلي ما لقي.

فلما سمع الساقي رؤيا الملك، ذكر تصديق عبارة يوسف، عليه السلام، في نفسه، وفي الخباز، فذلك قوله: وقال الذي نجا منهما من القتل وادكر بعد أمة ، يعني وذكر بعد حين: أنا أنبئكم بتأويله ، يعني بتعبيره، فأرسلون إلى يوسف.

فلما أتى يوسف، قال له الساقي: يوسف أيها الصديق ، يعني أيها الصادق فيما عبرت لي ولصاحبي، أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ، قال: أما البقرات السبع السمان، والسنبلات الخضر، فهن سبع سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف السبع، والسنبلات السبع الأخر اليابسات، فهن المجدبات، ثم قال الساقي: لعلي أرجع إلى الناس ، يعني أهل مصر، لعلهم ، يعني لكي يعلمون تعبيرها، يعني تعبير هذه الرؤيا.

ثم علمهم كيف يصنعون، قال تزرعون سبع سنين دأبا ، يعني دائبين في الزرع، ثم علمهم يوسف ما يصنعون، فقال: فما حصدتم من حب، فذروه في سنبله ، فإنه أبقى له لئلا يأكله السوس، إلا قليلا مما تأكلون ، فتشقونه.

ثم يأتي من بعد ذلك ، يعني من بعد السنين المخصبات، سبع شداد ، يعني مجدبات، يأكلن ما قدمتم لهن ، يعني ما ذخرتم لهن في هذه السنين الماضية، إلا قليلا مما تحصنون ، يعني مما تدخرون فتحرزونه.

ثم يأتي من بعد ذلك ، يعني من بعد السنين المجدبات، عام فيه يغاث الناس ، يعني أهل مصر بالمطر، وفيه يعصرون العنب، والزيت من الخصب، هذا من قول يوسف، وليس من رؤيا الملك، فرجع الرسول فأخبره فعجب.

وقال الملك واسمه الريان بن الوليد: ائتوني به ، يعني بيوسف، فلما جاءه الرسول ، يعني رسول الملك، وهو الساقي ، قال له: ارجع إلى ربك ، يعني [ ص: 153 ] سيدك، فاسأله ما بال النسوة الخمس اللاتي قطعن أيديهن ، يعني حززن أصابعهن بالسكين، إن ربي بكيدهن ، يعني بقولهن عليم حين قلن: ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها؟ وأراد يوسف، عليه السلام، أن يستبين عذره عند الملك قبل أن يخرج من السجن، ولو خرج يوسف حين أرسل إليه الملك قبل أن يبرئ نفسه، لم يزل متهما في نفس الملك، فمن ثم قال: قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ، فيشهدن أن امرأة العزيز قالت: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم . فلما سألهن الملك، قال لهن: ما خطبكن ، يعني ما أمركن، كقوله: فما خطبكم أيها المرسلون ، يعني ما أمركم، إذ راودتن يوسف عن نفسه ، وذلك أنهن قلن حين خرج عليهن يوسف من البيت: ما عليك أن تقضي لها حاجتها؟ فأبى عليهن، فرددن على الملك، قلن حاش لله ، يعني معاذ الله، ما علمنا عليه من سوء ، يعني الزنا، فلما سمعت زليخا قول النسوة، قالت امرأت العزيز عند ذلك، الآن حصحص ، يعني الآن تبين الحق أنا راودته عن نفسه وإنه يوسف لمن الصادقين في قوله.

فأتاه الرسول في السجن، فأخبره بقول النسوة عند الملك، قال يوسف: ذلك ليعلم ، يقول: هذا ليعلم سيده أني لم أخنه بالغيب في أهله، ولم أخالفه فيهن، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ، يعني لا يصلح عمل الزناة، يقول: يخذلهم، فلا يعصمهم من الزنا، فأتاه الملك، وهو جبريل، بالبرهان الذي رأى، فقال ليوسف: أين ما هممت به أولا حين حللت سراويلك وجلست بين رجليها؟ فلما ذكر الملك ذلك، قال عند ذلك: وما أبرئ نفسي ، يعني قلبي من الهم، لقد هممت بها، أن النفس ، يعني القلب لأمارة بالسوء للجسد، يعني بالإثم، ثم استثنى، فقال: إلا ما رحم ربي ، يعني إلا ما عصم ربي، فلا تأمر بالسوء، إن ربي غفور لما هم به من المعصية، رحيم به حين عصمه.

وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ، يعني أتخذه، فلما أتاه يوسف [ ص: 154 ] و كلمه ، أي كلم الملك، قال لـ يوسف: إنك اليوم لدينا مكين ، يقول: عندنا وجيه، أمين على ما وكلت به، كقوله: عند ذي العرش مكين . ثم قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن الأرض بمصر، إني حفيظ لما وكلتني به عليم ، يعني عالم بلغة الناس كلها. قال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قال: إني حفيظ عليم إن شاء الله، لملك من يومه ذلك" ، وقال ابن عباس: لبث بعد ذلك سنة ونصفا، ثم ملك أرض مصر. وقال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبت من صبر يوسف وكرمه، والله يغفر له، لو كنت أنا لبادرت الباب حين بعث إليه الملك يدعوه" .

وكذلك مكنا ليوسف ، يعني وهكذا مكنا ليوسف الملك في الأرض ، في أرض مصر، لـ يتبوأ ، يقول: ينزل منها حيث يشاء نصيب برحمتنا ، يعني سعتنا، من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ، يعني نوفيه جزاءه، فجزاه الله بالصبر على البلاء، والصبر على المعصية بأن ملكه على مصر.

ثم قال: ولأجر الآخرة خير ، يعني أكبر، يعني جزاء الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا من الملك، للذين آمنوا ، يعني صدقوا بالتوحيد، وكانوا يتقون . الشرك مثل الذي اتقى يوسف، عليه السلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية