صفحة جزء
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار

ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم، فقال سبحانه: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، وهو التوحيد، في الحياة الدنيا ، ثم قال: "و" يثبتهم وفي الآخرة ، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد، وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير، فيجلسانه في القبر، فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فيقول: ربي الله عز وجل، وديني الإسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولي، فيقولان له: وقيت وهديت، ثم يقولان: "اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه، فذلك قوله سبحانه: وفي الآخرة ، أي يثبت الله قول الذين آمنوا.

ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير، يطآن في أشعارهما، ويحفران الأرض بأنيابهما، وينالان الأرض بأيديهما، أعينهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، ومعهما مرزبة من حديد، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ثم يقولان: اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه.

فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده، ويلتهب قبره نارا، ويصيح صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين، فيلعنونه، فذلك قوله عز وجل: ويلعنهم اللاعنون ، حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها، فتقول: لعن الله هذا، كان يحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن يضله الله عز وجل عن التوحيد، فذلك قوله: ويضل الله الظالمين ، يعني المشركين،
حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ويفعل الله ما يشاء فيهما، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين.

ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ، هذه مدنية إلى آخر الآيتين، وبقية [ ص: 191 ] السورة مكية: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ، وهم بنو أمية، وبنو المغيرة المخزومي، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، يعني القتل والسبي، ثم بعث فيهم رسولا يدعوهم إلى معرفة رب النعمة عز وجل، فكفروا بهذه النعمة وبدلوها، ثم قال الله عز وجل: وأحلوا قومهم دار البوار ، يعني دار الهلاك بلغة عمان، فأهلكوا قومهم ببدر.

ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة، فذلك قوله عز وجل: جهنم يصلونها وبئس القرار ، يعني وبئس المستقر.

ثم ذكر كفار قريش، فقال تعالى: وجعلوا ، يعني ووصفوا لله أندادا ، يعني شركاء، ليضلوا عن سبيله ، يعني ليستنزلوا عن دينه الإسلام، قل تمتعوا في داركم قليلا، فإن مصيركم إلى النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية