صفحة جزء
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم

[ ص: 411 ] ثم قال الله عز وجل: ولولا فضل الله عليكم ورحمته يعني ونعمته لأظهر المريب يعني الكاذب منهما، ثم قال: وأن الله تواب على التائب حكيم حكم الملاعنة، ثم قال عز وجل: إن الذين جاءوا بالإفك يعني بالكذب عصبة منكم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازيا، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عز وجل عنهما، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له، يقال له: صفوان بن المعطل ، من بني سليم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلا مكث صفوان في مكانه، حتى يصبح، فإن سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه، وأن عائشة، رضي الله عنهما، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل، فدخلت هودجها، ثم ذكرت حليا كان لها نسيته في المنزل، فنزلت لتأخذ الحلي، ولا يشعر بها صاحب البعير، فانبعث فسار مع المعسكر، فلما وجدت عائشة، رضي الله عنهما، حليها، وكان جزعا ظفاريا لا ذهب فيه، ولا فضة، ولا جوهر، فإذا البعير قد ذهب، فجعلت تمشي على إثره وهي تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا هو بعائشة، رضي الله عنها، قد غطت وجهها تبكي، فقال صفوان: من هذا ؟ فقالت: أنا عائشة، فاسترجع ونزل عن بعيره، وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين ؟ فحدثته بأمر الحلي فحملها على بعيره، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة، رضي الله عنها، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله، ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره، فقذفها عبد الله بن أبي ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي.

يقول الله تعالى: لا تحسبوه شرا لكم لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من الأذى بل هو خير لكم حين أمرتم بالتثبت والعظة لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة، رضي الله عنها، وصفوان بن المعطل السلمي ، والذي تولى كبره منهم يعني عظمه منهم، يعني من العصبة، وهو عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما برئت منه، وما برئ منها، له عذاب عظيم أي: شديد.

[ ص: 412 ] ففي هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت بينهم خطيئة، فمن أعلن عليها بفعل، أو كلام، أو عرض، أو أعجبه ذلك، أو رضي به، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم، والذي تولى كبره، يعني الذي ولي الخطيئة بنفسه، فهو أعظم إثما عند الله، عز وجل وهو المأخوذ به، قال: فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره، فهو مثل الغائب، ومن غاب ورضي فهو كمن شهد، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة ، رضي الله عنها، فقال: لولا إذ سمعتموه يقول: هلا إذ سمعتم قذف عائشة، رضي الله عنها، بصفوان كذبتم به ألا ظن المؤمنون والمؤمنات لأن فيهم حمنة بنت جحش بأنفسهم خيرا يقول: ألا ظن بعضهم ببعض خيرا بأنهم لم يزنوا "و" ألا وقالوا هذا إفك مبين يقول: ألا قالوا: هذا القذف كذب بين، ثم ذكر الذين قذفوا عائشة، فقال: لولا يعني هلا جاءوا عليه يعني على القذف بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء : بأربعة شهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون في قولهم، يعني الذين قذفوا عائشة، رحمها الله، ثم قال: ولولا فضل الله عليكم ورحمته يعني ونعمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم يقول: لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم إذ تلقونه بألسنتكم يقول: إذا يرونه بعضكم عن بعض وتقولون بأفواهكم يعني بألسنتكم ما ليس لكم به علم يقول: من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق وتحسبونه هينا يقول: تحسبون القذف ذنبا هينا وهو عند الله عظيم في الوزر، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة، رضي الله عنها، فقال سبحانه: ولولا يعني هلا إذ سمعتموه يعني القذف قلتم ما يكون لنا يعني ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ ، رضي الله عنه، وذلك أن سعدا لما سمع القول في أمر عائشة، قال: سبحانك هذا بهتان عظيم.

ثم قال عز وجل: ألا قلتم سبحانك يعني ألا نزهتم الرب جل جلاله عن أن يعصى وقلتم هذا القول بهتان عظيم لشدة قولهم، والبهتان الذي يبهت، فيقول ما لم يكن من قذف أو غيره، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة رضي [ ص: 413 ] الله عنها، فقال: يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا يعني القذف أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات يعني أموره والله عليم حكيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية