صفحة جزء
ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبينوحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم

ولقد آتينا يعني أعطينا داوود وسليمان علما بالقضاء، وبكلام الطير، وبكلام الدواب، وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين يعني [ ص: 472 ] بالقضاء، والنبوة، والكتاب، وكلام البهائم، والملك الذي أعطاهما الله عز وجل، وكان سليمان أعظم ملكا من داود ، وأفطن منه، وكان داود أكثر تعبدا من سليمان .

وورث سليمان داوود يعني ورث سليمان علم داود وملكه، وقال سليمان لبني إسرائيل: يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء يعني أعطينا الملك والنبوة والكتاب والرياح، وسخرت لنا الشياطين، ومنطق الدواب، ومحاريب وتماثيل، وجفان كالجوابي، وقدور راسيات وعين القطر يعني عين الصفر.

إن هذا الذي أعطينا لهو الفضل المبين يعني البين وحشر لسليمان يعني وجمع لسليمان جنوده من الجن طائفة "و" من الإنس "و" من الطير طائفة فهم يوزعون يعني يساقون، وكان سليمان استعمل جندا يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس.

وقال عز وجل حتى إذا أتوا على واد النمل من أرض الشام قالت نملة واسمها الجرمى يا أيها النمل ادخلوا وهن خارجات، فقالت: ادخلوا مساكنكم يعني بيوتكم لا يحطمنكم سليمان يعني لا يهلكنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون بهلاككم، فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال.

فانتهى إليها سليمان حين قالت: وهم لا يشعرون .

فتبسم ضاحكا من قولها ضحك من ثنائها على سليمان بعدله في ملكه، أنه لو يشعر بكم لم يحطمكم، يعني بالضحك الكشر، وقال سليمان : لقد علمت النمل أنه ملك لا بغي فيه، ولا فخر، ولئن علم بنا قبل أن يغشانا لم نوطأ، ثم وقف سليمان بمن معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم، ثم حمد ربه عز وجل حين علمه منطق كل شيء فسمع كلام النملة وقال رب أوزعني يعني ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي من قبلي، يعني أبويه داود ، وأمه بتشايع بنت الياثن ، "و" ألهمني وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك يعني بنعمتك في يعني مع [ ص: 473 ] عبادك الصالحين الجنة.

وتفقد الطير يعني الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن، فلما مر بالمدينة وقف، فقال إن الله عز وجل: سيبعث من هاهنا نبيا طوبى لمن تبعه، فلما أراد أن ينزل فقال ما لي لا أرى الهدهد أم والميم ها هنا صلة، كقوله تعالى: أم عندهم يعني أعندهم الغيب فهم يكتبون أم كان من الغائبين . لأعذبنه عذابا شديدا يعني لأنتفن ريشه، فلا يطير مع الطير حولا أو لأذبحنه يعني لأقتلنه، أو ليأتيني بسلطان مبين يعني حجة بينة أعذره بها، فمكث غير بعيد يقول: لم يلبث إلا قليلا، حتى جاء الهدهد، فوقع بين يدي سليمان ، عليه السلام، فجعل ينكث بمنقاره ويومئ برأسه إلى سليمان ، فقال لسليمان: أحطت بما لم تحط به يقول: علمت ما لم تعلم به وجئتك بأمر لم تخبرك به الجن، ولم تنصحك فيه، ولم يعمل به الإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك، وجئتك من أرض سبإ باليمن بنبإ يقين يقول: بحديث لا شك فيه، فقال سليمان : وما ذلك ؟ قال الهدهد: إني وجدت امرأة تملكهم يعني تملك أهل سبأ وأوتيت يعني وأعطيت من كل شيء يكون باليمن، يعني العلم والمال والجنود والسلطان والزينة وأنواع الخير، فهذا كله من كلام الهدهد، وقال الهدهد: ولها عرش عظيم يعني ضخم ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا، وارتفاع السرير من الأرض أيضا ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا، مكلل بالجواهر، والمرأة اسمها بلقيس بنت أبي سرح، وهي من الإنس وأمها من الجن، اسمها فارمة بنت الصخر.

ثم قال: وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم السيئة، يعني سجودهم للشمس فصدهم عن السبيل يعني عن الهدى فهم لا يهتدون . ثم قال الهدهد: ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء يعني الغيث في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون في قلوبكم وما تعلنون بألسنتكم الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم يعني بالعظيم العرش.

[ ص: 474 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية