تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب

فمن ذلك قول شداد بن أوس: يا نعايا العرب ، هكذا رواية المحدثين من رواة الأخبار ، إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة الرياء والشهوة الخفية.

وأما أهل المعرفة بكلام العرب ورواة الشعر منهم ، فإنهم ينكرون ذلك ويقولون: إن الصواب فيه ، يا نعائي العرب ، بمعنى الأمر بنعيهم ، وكأنه أراد بذلك: انعوهم فقد هلكوا.

واستشهدوا لتصحيح ما قالوا ، من ذلك قول الشاعر:


نعاء ابن ليلى للفعال وللندى وركبان ليل مقفعل الأنامل

[ ص: 810 ] ويقول الآخر:


نعاء جذاما غير موت ولا قتل     ولكن فراقا للدعائم والأصل

والقول في ذلك ما قالوا ، وذلك أن العرب إذا أغرت بمصدر قضيت ودعوت وما أشبههما من ذوات الياء والواو ، قالوا: دعا دعاء ، وقضى قضاء ، ونعا نعاء ، كما يقولون ، إذا أغروا بالسالم من الفعل: دراك دراك ، ونظار نظار ، بمعنى أدرك أدرك ، انظر انظر ، فيفتحون أوله ويكسرون آخره كما قال الراجز:


دراكها من إبل دراكها


قد برك الموت على أوراكها

يريد بقوله: دراكها ، أدركوها ، وقد روي ذلك:


تراكها من إبل تراكها


قد برك الموت على أوراكها

[ ص: 811 ] ومنه قول زهير بن أبي سلمى:


ولأنت أشجع من أسامة إذ     دعيت نزال ولج في الذعر

وكان الفراء يزعم أن فعال إنما خص بالأمر ، لأنه أريد فعال مصدر فاعلت ، فكان أوله مكسورا فغيروه عن وجهة المصدر بفتح أوله وكسر آخره ، كما صرفت ثلاث ورباع ، عن ثلاثة وأربعة ، وعربتا بالرفع لأنهما في مذهب اسم ، وعرب فعال الذي يراد به الأمر بالخفض ، لأنهم أرادوا أثرا من الجزم.

وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يروي ذلك: يا نعيان العرب ، على المصدر من نعاه ينعاه نعيا ونعيانا ، كالبهتان والخلصان.

وأما الرياء فإنه مصدر من قول القائل: رايا فلان فلانا بعمله مراياة ورياء.

التالي السابق


الخدمات العلمية