تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
ففي هذا دليل واضح على صحة ما قلنا في ذلك، وقد بينت هذه الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان فيها بعض النظر، وهي أحسن مخارج من خبر محمد بن سعيد المصلوب معنى ما روي، عن معاذ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إباحته له ما أباح من هدايا رعيته: أنها كانت على وجه ما ذكرت؛ لأن ذلك لو كان أبيح له وهو للمسلمين عامل برزق يرتزقه من فيئهم بعد استيفائه الرزق الذي رزقه على عمله، لم يكن للأخبار المتواترة التي قد مضى ذكرناها قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خطب أصحابه عند مقدم ابن اللتبية عليه من عمله الذي كان ولاه إياه، فبعث من يقبض منه ما أتى به، فجعل يقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقال: " أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيقول أحدهم: هذا الذي لكم، وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو في بيت أمه فتأتيه هديته؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدكم من ذلك شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه، فلا أعرفن ما جاء رجل يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر "، ثم رفع يديه، فقال: "ألا هل بلغت" ؟ معنى.

[ ص: 220 ] فلما كانت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما ذكرنا، متواترة، قد جاءت مجيء الحجة، علم أن أمر معاذ ، فيما أباح له صلى الله عليه وسلم من قبول هدية رعيته، وتطييبه إياها له، لو كان صحيحا، ولم يصح ذلك عندنا بخبر تثبت به حجة على من بلغه، لكان معناه ووجهه ما قلنا، دون ما يتوهمه أهل الغباء.

فإن قال قائل: ما بك قد أبحت للإمام وعماله قبول هدايا ملوك المشركين على النظر منهم للمسلمين، وصرف ما أهدوا إليهم في منافعهم اعتلالا منك في ذلك بالأمور التي بينت، ولم تبح لهم قبول هدية أحد من رعيتهم ممن لم يكن جرت بينهم وبينه مهاداة قبل الولاية، لما وصفت من الأسباب؟ فما وجه الخبر الذي:

التالي السابق


الخدمات العلمية