تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي"، فإنه يعني بقوله: "فتلت في يدي" : رمي بها في يدي ووضعت ، ومنه قول الله تعالى ذكره: فلما أسلما وتله للجبين ، يقول: صرعه للجبين. يقال منه: "تل فلان فلانا لوجهه، فهو يتله تلا، وهو تليل لوجهه"، - يعني مرمي به كذلك مصروع - .

[ ص: 52 ] وأما قول عطاء: في الدوحة يصيبها المحرم بقرة، فإن "الدوحة": كل شجرة عظيمة، تجمع دوحا، كما قال امرؤ القيس بن حجر:

فأضحى يسح الماء عن كل فيقة يكب على الأذقان دوح الكنهبل

- يعني بدوح الكنهبل عظامها -، والكنهبل: العضاه .

وأما قول الأعرابي لعمر رضوان الله عليه: "ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوا لي"، - يعني بالنضو: بعيرا مسنا هزيلا -. وأصل "النضو": كل شيء يخلق، فشبه هذا الأعرابي بعيره في هزاله ومرور الأزمنة عليه بالشيء الخلق، يجره معه ، ومن النضو قول ذي الرمة في صفة حية يشبهها بحبل القربة الخلق:

ومن حنش ذعف اللعاب كأنه     على الشرك العادي نضو عصام

.

[ ص: 53 ] وأما قول مجاهد: "أرى أن يؤخذ برمته، ثم يخرج من الحرم "، فإنه يعني بقوله: "برمته" بالقطعة من الحبل الذي هو به موثق، ومن ذلك سمي غيلان بن عقبة: ذا الرمة ، وذلك أنه فيما ذكر كان خشي عليه وهو صبي المس، فأتي به بعض الحي، فكتب له معاذة فعلقت في عنقه أو عضده، وشدت بخيط. وقيل: بل سمي بذلك لبيت قاله في أرجوزة له يصف وتدا:

أشعث باقي رمة التقليد     نعم فأنت اليوم كالمعمود

والرمة: هي القطعة من الحبل، وأما "الرمة"، بكسر الراء: فإنه الشيء الخلق البالي، ومنه قيل للعظم البالي: "رمة"، ومنه قول الله تعالى ذكره: قال: من يحي العظام وهي رميم ، يجمع "رماما، وأرماما"، كما قال: خداش بن بشر البعيث:

فلقد أنى لك أن تودع خلة     رثت، وعاد حبالها أرماما

.

[ ص: 54 ] وأما قول عطاء: لا بأس أن يؤخذ من شجر الحرم وما عفا للسواك، فإنه يعني بقوله: ما عفا: ما فضل عنها من أغصانها وفروعها، من قولهم: قد عفا مال فلان، إذا كثر وصار فاضلا عن حاجته، ومنه قول الله جل ثناؤه: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا [الأعراف: 95] يعني بقوله: حتى عفوا حتى كثروا .

وأما قول وائل بن حجر: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل يقوده رجل بنسعة"، فإنه يعني بالنسعة السير المضفور من الجلود.

وأما قول المقود بالنسعة: "فضربته بالفأس على قرنه"، فإنه يعني القرن: قرن الرأس، وللرأس قرنان، وهما حرفا الهامة المشرفان عن يمين وشمال، والهامة بينهما، فهي أعلى الرأس بين القرنين .

[ ص: 55 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية