تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب

فمن ذلك قول أبي سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في طين، فرئي أثر جبينه وأرنبته في الطين. "والأرنبة" طرف الأنف، ومنه قول ذي الرمة:

تثني الخمار على عرنين أرنبة شماء مارنها بالمسك مرثوم

وهي الروثة أيضا، وهي الخثرمة، ومن الروثة قول أبي كبير الهذلي:

حتى انتهيت إلى فراش عزيزة     سوداء روثة أنفها كالمخصف

.

[ ص: 214 ] وأما قوله في الخبر الآخر: "فرئي أثر جبينه وترقوته في الماء والطين" فإن الجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها من عظم الرأس، والجبهة بينهما.

وأما قول ابن عمر للرجل الذي رآه قد أثر السجود بأنفه: لا تعلب صورتك، فإنه يعني بقوله: لا تعلب صورتك: لا تؤثر فيه أثرا فتقبحه بذلك، وأصل العلب: الأثر، يقال منه: علبت الشيء إذا أثرت فيه، فأنا أعلبه علبا وعلوبا، ومنه قول عدي بن الرقاع:

يتبعن ناجية كأن بدفها     من غرض نسعتها علوب مواسم



وأما قول أبي مجلز: "رأى عمر رجلا ساجدا قد شالت قدماه" ، فإنه يعني بقوله: "قد شالت قدماه" قد ارتفعتا عن الأرض، يقال منه: شلت الحجر عن الأرض إذا رفعته عنها، وشال الشيء: إذا ارتفع، ومنه قول الأخطل في هجاء جرير بن عطية:

[ ص: 215 ]

وإذا وضعت أباك في ميزانهم     قفزت حديدته إليك فشالا

يعني بقوله فشال: ارتفع.

وأما قول أبي الشعثاء: رأى ابن عمر رجلا ينتحي في سجوده فإنه يعني بقوله: ينتحي: يعتمد، يقال منه: انتحيت له بكذا، إذا اعتمدته به وقصدته، وهو انفعلت من قول القائل: نحوته بكذا، إذا قصدت نحوه به، كما قال الطرماح:

فنحا لأولاها بطعنة فيصل     تمكو فرائصها من الإنهار

وأما من الانتحاء، فقول أبي البلاد الطهوي:

فصدت وانتحيت لها بعضب     حسام غير مؤتشب يمان



وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا أكفت شعرا ولا ثوبا، فإنه يعني بقوله" "لا أكفت": لا أكف، يقال منه: كففت الشيء وكفته بمعنى واحد .

[ ص: 216 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية